لا أعتقد أن أكثر المتفائلين على ظهر هذا الكوكب كان يتخيل أن عاماً واحداً فقط كان يكفى ليخرج للنور هذا العدد المتاح من اللقاحات للوقاية من طاعون العصر الحديث المسمى «كوفيد ١٩».. كل الأوساط العلمية كان أقصى أمنياتها أن يظهر اللقاح بعد عامين أو يزيد على أقل تقدير.. ولكن البعض نجح فى الإسراع من تلك المهمة الشاقة، لتمتلك البشرية ما يمكنها أن تواجه به هذه الأزمة.
لا شك أن الأزمة فى مصر كانت تُدار باحتراف يستحق التقدير.. أكثر من نوع من اللقاحات تم توفيرها بعد خروجها للنور بفترة قصيرة.. اللقاح الصينى وصل إلى مصر بعد ظهوره بأسابيع قليلة.. تبعه لقاح شركة «أسترازينيكا» الإنجليزى.
وزارة الصحة المصرية أطلقت موقعاً إلكترونياً للتسجيل لتلقِّى اللقاح.. الموقع مصمم بشكل مميز.. والتسجيل يتم بسهولة بالفعل.. هناك مشكلات تتعلق بالازدحام فى مراكز تلقِّى اللقاح هذا صحيح.. ومشكلات أخرى تتعلق بأولوية الحصول عليه بالمقارنة بموعد التسجيل..ولكننى أعتقد أنها مشكلات من النوع المقبول فى دولة ما زالت فى المرحلة الأولى للتحول الرقمى!
المشكلة الحقيقية ظهرت فى مستوى وعى المواطن نفسه، فالبعض يرفض تلقِّى اللقاح حتى هذه اللحظات لأسباب أقل ما يقال عنها إنها تنتمى للكوميديا السوداء.. فالكثيرون ممن قطعوا شوطاً طويلاً فى التعليم يرفضون تلقى اللقاح لأنهم «لا يريدون أن يتم حقنهم بالفيروس».. والبعض يخشى الأعراض الجانبية له والتى لا تستمر لأكثر من يومين على أقصى تقدير!! وآخرون يريدون نوعاً محدداً ويرفضون تلقِّى أى نوع آخر.
الفكرة أن تلقى اللقاح بشكل اختيارى وغير ملزم يجعل الأمر خاضعاً للأهواء الشخصية، ويفتح الباب للكثير من اللغط والجدال من غير المتخصصين، وهو ما يؤثر بالسلب على الوضع الوبائى للدولة كلها.
أعرف صديقاً قام بالتسجيل على موقع الوزارة وحين ذهب لتلقى اللقاح رفض، لأنه كان يريد أن يتلقى اللقاح الإنجليزى وليس الصينى.. وعندما اكتشف أنه غير متوفر انصرف ورفض التطعيم من الأساس!
ينبغى أن يستوعب الجميع أن أفضل لقاح فى العالم هو ذلك الذى سيتاح لك فى أقرب فرصة ممكنة.. وأنه ليس هناك أى ضمانة لأفضلية اللقاح الإنجليزى على الصينى أو العكس.. لا توجد ضمانات، فما زلنا حديثى العهد بها جميعاً.
كل اللقاحات تختلف فى نسب الحماية التى تقدمها.. ولكنها -كلها- تحمى من المضاعفات الخطيرة، التى هى الخطر الحقيقى الذى يهدد النظام الصحى بسبب هذا الكوفيد اللعين.. لذا ففكرة انتظار لقاح ما ورفض المتاح حالياً تبدو أقرب لمن يرفض أن يسكن فى فيلا انتظاراً لقصر.. والكارثة أنه يبيت حالياً فى الشارع!!
لا أعرف السبب فى جعل اللقاح اختيارياً حتى الآن.. كل طبيب حديث التخرج يعرف أن حالة إصابة واحدة تكفى ليستمر الكابوس لفترة طويلة.. وأن الحصول على اللقاح بشكل إلزامى هو السبيل الوحيد للقضاء على هذا الفيروس اللعين.
أعتقد أن دراسة أن يكون التطعيم «إلزامياً» بشكل ما- على الأقل للمستحقين له طبقاً لاستراتيجية تلقِّى اللقاح- قد يكون مطلوباً فى هذا التوقيت.. فترك الأمر للهوى الشخصى يهدر الكثير من الوقت والجهد.. أو هكذا أعتقد!