بالفيديو| الباعة الجائلون في رمسيس: "نقعد في بيوتنا وما نروحش الترجمان"
ضجيج لا ينقطع في ميدان رمسيس، وطرقات لا تخلو من المارة في أي ساعة من اليوم، يزاحم المواطنون فيه العشرات من الباعة الجائلين، ينتشرون في جنبات الميدان، لا يكفون عن الصراخ بأسعار بضائعهم وأساميها، والثرثرة مع الزبائن، ملامحهم بسيطة، يبدو عليهم الشقاء، ومن أعينهم تنبعث نظرات التطلع إلى غد مجهول.
تصريحات الدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، لا تتوقف، عن احتمال نقلهم إلى مقرهم الجديد، الذي لا يبعد كثيرًا عن ميدانهم الذي احتلوه وتوارثوه منذ أجيال، وبعد القرار الأخير الخاص بنقل الباعة الجائلين إلى سوق الترجمان الجديد، يبقى بائعو رمسيس في انتظار مصير مجهول.
ينقسم الباعة الجائلون في ميدان رمسيس بحسب منشأهم إلى مجموعتين "البداروة" وهم من قرية البدراي في محافظة أسيوط، و"الجهينية" نسبة إلى مركز جهينة في محافظة سوهاج، وهم يرفضون فكرة نقلهم إلى سوق الترجمان التي خصصتها لهم الحكومة، ويعتبرون أن دخلهم سوف يقل في الترجمان.
"الزباين مش هيرضوا يروحوا هناك"، كلمات تخرج بعصبية من حلق "عادل" بائع يقتات رزقه من بيع الملابس المتراصة بعشوائية على رصيف مسجد الفتح بميدان رمسيس.
يقف الشاب العشريني في الميدان وهو يدخن سيجارته بعصبية، تعلو ملامحه علامات الضيق يتفوه بكلمات مقتضبة قائلًا: "بلدنا مفيهاش شغل والواحد راضي بحاله وبيحاول ياكل بالحلال.. إحنا مش عارفين الحكومة عايزة مننا إيه بالظبط".
وبالرغم من ذلك يرفض فكرة غلاء الأسعار على المواطنين في حالة اضطرته الظروف إلى نقله للترجمان.. ويضيف "أحنا هنا بنبيع التيشرت بـ"15" جنيه، ومش لاقيين له زباين ومينفعش نغليه على المواطن"، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أنه لن يرضي بالذهاب إلى السوق الجديد بالترجمان حتى لو اضطر أن يجلس في بيته ولا يعمل.
لم يكمل عادل تعليمه وهو لا يحمل أي مؤهلات دارسية تؤهله إلى العمل في أي مجال سوى البيع في الميدان، وكل ما يحصل عليه نظير عمله هو مبلغ 60 جنيهًا يوميًا لا تكفيه هو وعائلته، حسب ما يروي، إذ يري أن هذا المبلغ لن يحصل على نصفه لو نقل إلى الترجمان، متابعًا بالقول: "لو قوات الأمن نقلتنا للترجمان هنقعد في بيتنا أحسن.. الحكومة مش عايزانا ناكل من حلال".
لم تقم قوات الأمن أو المحافظة بإبلاغ الباعة الجائلين في رمسيس بضرورة إخلائهم للميدان، إذ يقول: "عرفنا من التلفزيون ومحدش قالنا حاجة"، ويؤكد عادل وهو أب لولدين أن هناك بعض التجار تركوا سوق الترجمان بعد أن تعرضوا لخسارة؛ بسبب عدم وجود زبائن بالمكان، مضيفًا: "لو جت الشرطة وطردتنا من الميدان مش هنعمل حاجة؛ لأن تهمتهم جاهزة وهي الإرهاب".
على مقربة من عادل يقف رجل خمسيني، تميزه لحيته الصفراء، يدخل في مساجلات مع زبائنه، يحرص على تنظيف الأحذية المعروضة للبيع أمامه، ينفي صحة نقل الباعة المتواجدين في رمسيس إلى سوق الترجمان، قائلًا: "المحافظ وعدنا وقال أنه مش هينقلنا والقرار ده هيتنفذ على الباعة في وسط البلد بس".
يداعب عم سعيد لحيته قبل أن يضيف لـ"الوطن": "كل حاجة في البلد دي بقت بالعافية مافيش حد يناقش أو يحاور ويحط حلول هما عايزين ينقلونا الترجمان بالعافية".
ويرى سعيد في الحدائق المتواجدة بميدان رمسيس حلًا للأزمة، فمن الممكن أن يتم تخصيص هذه الحدائق للباعة كأسواق، قائلًا: "إيه لازمة الجناين دي مايخصصوها للبائعين بدل ما هي مكان لبتوع المخدرات".
منذ مايقرب من 25 عامًا يقف عم سعيد في نفس المكان، وفي نفس الميدان، وبنفس البضاعة، مضيفًا: "بعد العمر ده المحافظة عايزة تنقلني للصحرا عشان أبيع فيها، مافيش زباين في الترجمان خالص".
ويتابع: "إحنا عددنا سبعة مليون بائع على مستوى مصر، لو كل واحد مخلف عيلين يبقى عددنا 21 مليون، يعني نص البلد، هيقدروا يقطعوا رزق نص البلد ويحاربوهم ويقضوا عليهم زي ما قضوا على الإخوان".
ويؤكد الرجل الخمسيني أنه لن يقاوم قوات الأمن إذا نقلت الباعة الجائلين بالقوة، قائلا: "هقعد في البيت لو الحكومة طردتني من رمسيس".
وبعيدًا عن زحمة الطرقات في شارع رمسيس، يحرص "مينا نبيل" شاب عشريني، على عدم تواجد أي من الباعة الجائلين أمام محله المخصص لبيع المخبوزات، كل يوم، قائلًا: "الباعة الجائلين مش بيضايقونا بس هما بيتسببوا في زحمة الطريق"، لكن في حالة وجود حملة لشرطة المرافق الأمر يختلف كثيرًا لدى صاحب محل المخبوزات: "لما بتبقى في حلمة للبلدية بيضايقونا؛ لأن هما بيحطوا البضاعة بتاعتهم جوا محلاتنا".
يشير مينا نبيل لـ"الوطن" أن الباعة الجائلين يؤثرون على الوجه الحضاري للمحل، ويشغلون الطريق من أمامه، ما يسبب مضايقة الزبائن أثناء دخولهم المحل، متابعًا: "مش بيدفع لا كهربا ولا ميا ولا ضرايب ولا أي حاجة وبيكسب أكتر مني".
لا يوجد أي احتكاك بين الباعة الجائلين في رمسيس وأصحاب المحلات بالميدان، وعلى مقربة من أحد الباعة الذي افترش بعض الملابس على الرصيف ليبيعها، يقف "هشام" صاحب محل ملابس، ليؤكد أن الباعة الجائلين لا مكان لهم في الميدان، مشددًا على ضرورة تخصيص أماكن محددة لهم، قائلًا: "حولوا الميدان إلى غرزة لبيع المخدرات وبيعملوا فلوس أكتر مني، وبيقطعوا أكل عيشنا".
تغطية خاصة
دقت ساعة "نقل الباعة الجائلين"
انتشار قوات الشرطة والجيش بميداني محمد نجيب والأوبرا خلال نقل الباعة الجائلين
7 سيارات أمن مركزي ومدرعتان أمام "القضاء العالي" استعدادا لنقل الباعة الجائلين
مساعد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة يقودان حملة نقل الباعة الجائلين لـ"الترجمان"
الباعة الجائلون بالإسعاف يفرون إلى بولاق أبوالعلا هربا من الشرطة
مدير الأمن يتفقد "وسط القاهرة" استعدادا لنقل الباعة الجائلين
كردون أمني حول دار القضاء العالي خلال "نقل الباعة الجائلين"
نقيب الباعة الجائلين عن غرب القاهرة لـ"الوطن": المحافظ صرف أموالًا طائلة ليثبت "أنه شغال"
الباعة الجائلون في طلعت حرب: إذا تم فضنا بالقوة "هنقعد في بيوتنا"