عندما يصدق إيمان الرجل يتحول إلى أمة حتى ولو لم يؤمن معه أحد.. وعندما يصبح مركز تفكير البنى آدم ذاته، ولا يكترث إلا بنفسه وملكه ولا يفكر فى غيرهما فإنه يمكن أن يكون سبباً فى أذية أمة.
الرجل الأمة عملة نادرة يصعب أن تظفر بها فى الواقع المعاش، وقد ارتبطت فى الأساس بأنبياء الله ورسله، يقول الله تعالى فى حق أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام: «إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين».
أما الرجل القادر على أذية أمته بسبب غلوه فى الأنانية والتفكير فى نفسه، وعدم الاكتراث بالصالح العام عند البحث عن الصالح الخاص فالنماذج عليه عديدة تجدها فى كل حدب وصوب.
بنيامين نتنياهو نموذج لهذا النوع من البنى آدمين الذين يؤذون المجموع فى سبيل صالحهم الشخصى.
فمنذ عدة أيام أصدر الرئيس الإسرائيلى قراراً بتكليف زعيم المعارضة «يائير لابيد» بتشكيل الحكومة خلفاً لنتنياهو، بعدها لم يعد «نتنياهو» على ما يرام. لقد فشل نتنياهو فى تشكيل حكومة أكثر من مرة، وكان من الطبيعى أن ينتهى الأمر إلى تكليف غيره بالمهمة، لكنه لا يريد أن يعترف بفشله السياسى.
نتنياهو -كما تعلم- قيد المحاكمة بتهم فساد، وهو أول رئيس للحكومة الإسرائيلية توجه إليه اتهامات رسمية وهو فى منصبه.
بعد بضعة أيام من قرار الرئيس الإسرائيلى بعدم السماح لنتنياهو بتشكيل الحكومة وتصاعد إجراءات محاكمته، بادر الأخير إلى تفجير الموقف فى القدس، فتحت سمع وبصر قوات الاحتلال وبدعمها ومساعدتها، اجتاح المستوطنون الإسرائيليون حى الشيخ الجراح لطرد المقدسيين من منازلهم والاستيلاء عليها، واقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى، وكانت النتيجة اشتعال الأوضاع على النحو الذى نشاهده فى غزة والقدس، وترد عليه الفصائل الفلسطينية بقوة وثبات، عبر رشقات صاروخية موجعة آذت إسرائيل كل الإيذاء.
نتنياهو يتحرك بدافع من أنانيته، ولا يهمه الزلزال الذى يعيش فيه الإسرائيليون عندما تدوى صافرات الإنذار وتهز صواريخ كتائب القسام وسرايا القدس وغيرهما جنبات تل أبيب، ولا يلتفت إلى الآثار الاقتصادية العاتية التى تترتب على فرض الطوارئ، إذا طالت الحرب، والثمن الذى يدفعه الإسرائيليون فى كل مرة يهرولون فيها إلى الخنادق بعد أن تدوِّى صافرات الإنذار.
طبيعى جداً أن ينجح المقاوم الفلسطينى فى هز أركان إسرائيل، حين يحكمها نموذج مثل «نتنياهو».. رغم أن الفارق بين ما يتوافر فى يد الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية لا يمكن أن يكون له ذكر أو قيمة أمام ما تملكه إسرائيل وجيش الاحتلال الإسرائيلى، لكنه الفارق بين إنسان يدافع عن وجوده وآخر لا يريد الوجود إلا له.
تمكنت المقاومة الفلسطينية من تعرية الواقع الإسرائيلى، وأكدت أن الإيذاء لا يرتبط بإمكانيات قدر ما يتعلق بإرادة، وأن أى طرف تعتبره ضعيفاً يمكن أن يحقق ردعاً للطرف المعتدى عليه مهما كانت قوته، إذا فهم كيف يوظف أدواته فى اصطياد عدوه من نقاط ضعفه.