على أرض فلسطين تشتعل ثورة كاملة ستكون الأمور بعدها غير ما قبلها.
نحن أمام ثورة كاشفة بكل المقاييس.
هى ثورة كاشفة عن معدن الإنسان الفلسطينى الحقيقى الواعى بقضيته والمؤمن بأن الصهاينة حفنة من البشر احتلوا أرضه وأرض آبائه وأجداده، وأن عليه أن يعلّم أبنائه جيلاً بعد جيل أن مقاومة الاحتلال هى أسمى عمل يمكن أن يقوم به إنسان عاش فوق تراب الوطن السليب.
شرارة الثورة انطلقت من القدس حين انطلق المقدسيون يدافعون عن الأقصى الشريف بصدورهم، ثم تداعى الغزاويون، ومن بعدهم أبناء الضفة الغربية، حتى أصبحت كل مدينة وحى وشارع فى فلسطين المحتلة يشتعل بالثورة.
كشفت الثورة الفلسطينية أن الكل فى واحد ضد الاحتلال، من يملك المقاومة بصدره يفعل، من يملك المقاومة بحجر يفعل، من يملك المقاومة بالسلاح يفعل.
تمكنت الثورة الفلسطينية أيضاً من الكشف عن الوضع الحقيقى لإسرائيل، بعيداً عن الأوهام التى تسوقها ماكينة الدعاية الصهيونية حول قوات الاحتلال المسيطرة والقادرة على الردع، والآلة العسكرية القادرة على حماية المواطن الإسرائيلى.. ها نحن نرى الذعر فى عيون جنود الاحتلال العاجزين عن صد رشقات صواريخ المقاومة التى تبعث برسائل قوية وحقيقية لكل من يهمه الأمر فى إسرائيل بأن الوضع على الأرض تغير، وأن لعبة الهروب من الأزمات السياسية عبر سحق المواطن الفلسطينى لم تعد تُجدى.
الثورة الفلسطينية أيضاً أسقطت الأقنعة عن بعض المتصهينين العرب وكشفت عن الأدوار الحقيقية التى يلعبونها. أثبتت أن منهم من يأخذ فقهه للأمور والأحداث عن أفيخاى أدرعى، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى، ويكرر ما يثرثر به فى بياناته الساذجة.
بعض المتصهينين العرب صعبان عليهم ما تفعله صواريخ المقاومة فى عسقلان وأسدود وتل أبيب، يتحدثون عن السلام بمنطق نتنياهو وترامب وبايدن وزعماء أوروبا، السلام الذى يقوم على فرض الأمر الواقع بقوة السلاح، وحصار المواطن الفلسطينى، وسرقة أرضه، والبيت الذى يؤويه.
فى مقابل «المتصهينين» كشفت الثورة الفلسطينية أن المواطن العربى العادى ما زال يعتبر إسرائيل عدوه الأول، رغم ما بذله المتصهينون من جهد من أجل تغيير الحقيقة أو تزييف الواقع وإيهامه بأن إسرائيل لم تعد العدو التقليدى له.
ها هو المواطن العربى يتابع ما يحدث فى الأراضى المحتلة، ويشعر بقمة التعاطف مع الفلسطينى المنتفض من أجل كرامته وأرضه ومقدساته، ويفرح وهو يتابع أخبار الصواريخ والطائرات المسيرة التى تطلقها فصائل المقاومة وتصيب أهدافها وتوجع قلب إسرائيل، وتجعل مواطنيها يفرون فى ذعر إلى الملاجئ والخنادق.
استدعت إسرائيل احتياطى جنودها من العاملين فى القبة الحديدية التى عجزت عن صد الرشقات الصاروخية، وتحدث خبراؤها عن صاروخ «القبة» الذى يكلف الحكومة 50 ألف دولار ليتصدى لصاروخ ثمنه لا يزيد على ألف دولار ورغم ذلك أحياناً ما يفشل، وأفسحت المجال لجهاز «الشاباك» (جهاز الأمن العام الإسرائيلى) ليتعاون مع الشرطة لاعتقال الشباب الفلسطينى بلا جدوى، وأعلن مسئولوها فجأة أنهم ينوون غزو «غزة» برياً، ثم تراجعوا وقالوا إن الحديث عن هذا الأمر كان بسبب خطأ فى الترجمة!. إسرائيل مرتبكة.. والفلسطينيون صامدون.. والمتصهينون العرب ينكشفون.. والمواطنون العاديون يصرخون بالعداء لإسرائيل ومن يقف وراءها.
إنها ملحمة حقيقية سيكون لها ما بعدها.