أشعر بالانزعاج وأنا أتابع النقاشات الدائرة حول ما يصفه البعض بموضوع «الاغتصاب الزوجى» وذلك لسببين؛ أولهما أن رائحة الإثارة والرغبة فى التغييب تفوح منه، وثانيهما أن هناك قضايا أخرى أكثر جدية يمكن تناولها تخص مسألة الرباط المقدس بين الرجل والمرأة غير هذا الموضوع، مثل تراجع معدلات الزواج لدى الأجيال الجديدة، ومشاكل العنوسة، والطلاق وغير ذلك.
العلاقة بين الزوج والزوجة أساسها الستر، وليس الفضح ومناقشة مشكلاتها على العلن، وبالتالى فخروج أحدهم أو إحداهن للحديث عن مثل هذا الموضوع يمثل تراجعاً مشيناً فى أخلاقيات المجتمع، لأنه أو لأنها لو كانت تفهم معنى هذه العلاقة وقداستها لما تناولتها على الملأ، وطلب أو طلبت التفاعل معها حتى تتحول إلى «تريند» على السوشيال ميديا.
جزء من «ترع التفاهة» التى نعيش فيها أن نلتفت إلى أى مغامر أو مغامرة اتجهت إلى طرح فكرة أو رأى أو قول صادم أو مفارق لأخلاقيات المجتمع لكى ينال أو تنال بعض الشهرة أو الاهتمام بهدف أكل العيش.
الله تعالى نص فى كتابه الكريم أن العلاقة بين الزوج والزوجة يحكمها المودة والرحمة: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».. هاتان الكلمتان «المودة والرحمة» هما أصل العلاقة الزوجية، ويحدث فى بعض الأحيان أن يسىء زوج معاملة زوجته أو تسىء زوجة معاملة زوجها، فى مثل هذه الأحوال شرع الله تعالى الطلاق والانفصال، فلا خير فى بيت يتأسس على الشجار والنقار، والأفضل فى مثل هذه الأحوال اللجوء إلى أبغض الحلال.
ولا يقولنّ قائل إن الطلاق حق للرجل وإن الزوجة تظل أسيرته، فبإمكان من لا تطيق العيش مع زوجها الاستعانة بقانون الخلع، لأن الله تعالى لا يرضى بأى علاقة قائمة على الإكراه، حتى ولو كانت علاقة العبد به سبحانه: «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ».
من حق المرأة أن تختصم زوجها -قضائياً- إذا كان يُكرهها على ما لا ترضاه، المهم أن تكون مطمئنة القلب إلى أنها مفترَى عليها، وليست تريد منعه مما أحلّه الله له، والقضاء المصرى العريق يعالج مثل هذه المشكلات فى جلسات سرية فى أغلب الأحوال احتراماً لخصوصية المتقاضين، وانطلاقاً من خلق «الستر» الذى يتوجب الاحتكام إليه عند مناقشة مثل هذه القضايا.
فإذا كان المجتمع يتعامل مع مثل هذه المسائل بالستر، وكذا القضاء المصرى، فما بال البعض لا يتحرج من معالجة مثل هذه الأمور فى العلن وعلى صفحات التواصل الاجتماعى؟!.
زمان كانت دعوة الأم لابنتها «ربنا يهدِّى سرك»، والأب لابنه «ربنا يهدِّى سرك»، فكيف يتقبل البعض أن يجعل من مثل هذه الموضوعات السخيفة جزءاً من فضاءات النقاش العام؟.
بصراحة طرح مثل هذه الموضوعات زاد عن حده، ومن يتابع -من غير المصريين- المناقشات التى تدور حولها يشعر أنه أمام مجتمع «مغصوب»، لكنه لا يستطيع الصراخ إلا بالاغتصاب المباح، ولذا يجد مساحة رحبة فى الحديث عن العلاقة المقدسة بين الزوج وزوجته.
بصراحة.. عيب!.