«الإفتاء» توضح حكم قول «كل عام وأنتم بخير» في المناسبات والأعياد
دار الافتاء
نشرت دار الافتاء المصرية، فتوى حملت رقم 4927 لمفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، حول حكم قول «كل عام وأنتم بخير» في المواسم والأعياد، وكذلك مقولة «عيدكم مبارك» في العيدين؛ حيث ورد للدار سؤالا يشير إلى أن هاتين المقولتين يدَّعي البعض أنها ليست مشروعة وأنها تحية الكفار، وأنها سرت إلى المسلمين في غفلة منهم، وأن مشابهة الكفار في تهنئة أعيادهم لا تجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، ولا يجوز إلا قول "تقبل الله طاعتكم".
هل كل عام وأنتم بخير تهنئة الكفار؟
وأضاف السائل: «يبررون إباحة العلماء لها بأنهم لا يدركون أنها من عادات الكفار، مدَّعين أن بعض عادات وتقاليد الكفار قد لا يحيط بها علمًا بعضُ العلماء؛ لبُعد بلده عن بلادهم، وإطلاع بعض العلماء عليها بحكم قُرب سكنه لهم ومجاورته لهم، فكان له علم بهذه العادة السيئة المتبع فيها الكفار والتي سَرت إلى بلاد المسلمين على جهل منهم فيها وبحكمها، وأنه قد جرى إنكار هذا القول من قبل بعض كبار علماء السنة والجماعة؟».
التهنئة في الإسلام
ورد المفتي على السؤال بالقول: كل عام وأنتم بخير، كلمة تقال في أيام الأعياد والمواسم، تعارف الناس أن يُهنِّئ بعضُهم بها بعضًا، وهي جملة خبرية لفظًا، إنشائيةٌ معنًى، والمقصود بها: الدعاء بدوام الخير هذا العام والأعوام القابلة، وكذلك مقولة «عيدكم مبارك»؛ فهي خبر في اللفظ، ودعاء في المعنى؛ أي: جعل الله عيدَكم مباركًا، والتهنئة في أصلها هي الدعاء لمن أصابه خير، وإظهار السعادة لأجله. والدعاء عبادة مأمور بها على كل حال؛ واستحبت الشريعة للمسلمين أن يُهَنِّئَ بعضُهم بعضًا ويدعو بعضهم لبعض بالخير في خواتيم العبادات؛ وفي كل أمر صالح يعود عليهم.
المفتي يوضح الإدعاء ببدعة كل عام وأنتم بخير
وأضاف المفتي: أما الادعاء ببدعية التهنئة بقول (كل عام وأنتم بخير)، أو (عيد مبارك)، والادعاء بلزوم التقييد بقول (تقبل الله طاعتكم)، فهو دعوى باطلة لا سند لها من عقل أو نقل؛ ذلك لأن الشرع الشريف لم يقيد التهنئة بلفظ دون لفظ، أو حال دون حال، بل أمر بها على جهة العموم، ليشمل بذلك جوازها بكل لفظ يدل على معناها ومقصودها مما اعتاده الناس، وقد جاءت السنة النبوية بالتهنئة في أحوال عديدة، وبألفاظ مختلفة، فوردت التهنئة بلفظ «هنيئًا مريئًا» و«هنيئًا لك» في حال حصول الشيء المحبوب، أو التبشير بالبشرى، ووردت التهنئة عند الشفاء من المرض بلفظ «ليهنك الطهر»، ووردت التهنئة عند النكاح بلفظ «بارك الله لك»، وبلفظ «على الخير والبركة»، فلم يرد في الشرع الشريف ما يقيد أوقات التهنئة بوقت دون وقت، أو حال دون حال، بل جعل ذلك مرهونًا بعادات الناس وأعرافهم، سواء كان من الأعياد والمواسم العامة، أم كان من الأمور الخاصة بالأشخاص، كتحقيق نجاح، أو تجاوز صعاب، أو غير ذلك مما يسعد به الناس، كما لم يرد أيضًا ما يقيدها أيضًا بلفظ دون لفظ، بل تُرِكَ ذلك لما اعتاد عليه الناس من ألفاظ وعبارات ما دامت تحمل في طياتها الأماني الطيبة والدعوات الحسنة.
المفتي: يجوز التهنئة بـ«كل عام وأنتم بخير»
وتابع المفتي: «ونص الفقهاء على أنه يجوز التهنئة بما اعتاد الناس عليه من ألفاظ، ومنها قولهم (كل عام وأنتم بخير)، وقد ورد في خصوص التهنئة بالدعاء بالبركة نصوص عديدة، يستفاد منها جواز ذلك مطلقًا، هذا بالإضافة إلى أن هذه الألفاظ هي ألفاظ حسنة تبشر بالخير، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نكون من المبشرين، أما القول بالنهي عن ذلك لما فيه من التشبه بالكفار، فهو قول مردود وتلبيس للحق بالباطل، فالنهي عن التشبه بالكفار إنما هو في عقائدهم الباطلة، وقبائح أعمالهم، لا في العادات البشرية السائغة، والمجاملات الإنسانية الحسنة، والأماني الطيبة التي يتمناها الإنسان لأخيه الإنسان، والتي يحث عليها الإسلام ويدعو لها».
المفتي: ليس كل تَشَبُّهٍ بأهل الكتاب حرامًا
وأردف المفتي: «نص العلماء على أنه ليس كل تَشَبُّهٍ بأهل الكتاب يكون حرامًا حتى يكون الفعل نفسه مذمومًا، وأنّ الأمر على التفصيل، بل ذكروا أن مِنَ التَّشَبُّه ما يكون ممدوحًا عليه فاعلُه، وبناءً على ذلك فإنه يستحب للمسلم تهنئة أخيه في كل ما يصيبه من الخير سواء كان ذلك في الأعياد العامة أم كان في المناسبات الخاصة، ويجوز له ذلك بكل لفظ يحمل معنى الأماني الطيبة والدعوات الصالحة مما اعتاد عليه الناس بينهم، ومن ذلك قولهم (عيدكم مبارك)، أو (كل عام وأنتم بخير)، بل يستحب التهنئة بهما؛ لما فيهما من الدعاء بالخير، والتبشير به، وأما نفي جواز ذلك أو القول ببدعيته لمشابهته لقول الكفار: فهو كلام باطل؛ إذ المنهي عنه في مشابهة الكفار هو مشابهتهم في عقائدهم الكفرية أو عاداتهم التي ورد النهي عنها في شرعنا، أما ما لم يرد عنه نهي في شرعنا من عاداتهم أو أقوالهم الحسنة فلا يشمله النهي عن التشبه بهم، بل هو مما يندب فعله».