رأيت مشهداً خيالياً يعبّر عن ألم الإنسان عندما لا يجد نفسه ولا وطنه أو أرضه أو تلك الأربعة جدران التى يختبئ داخلها من قسوة الأقدار والطبيعة والحياة. فالصورة التى أبدع من رسمها بريشته ووضع فيها كل المشاعر الإنسانية الموجعة لقارب تعرض للغرق أثناء رحلة هجرة غير شرعية وسط الأمواج، التى لا تعرف الرحمة، ولا الأمل أو الأمان، فابتلعت كل شىء، ولم يبقَ من ضحاياها سوى مجموعة من الأيدى تشير وتلوح وتعود للاختفاء، فأحسست أننا نعيش فى هذا العالم (أيدٍ بلا جسد)، حيث ابتلعت الأيام أجسادنا وملامحنا وأمنياتنا ولم تترك منا إلا تلك الأيدى التى بقيت تلوح وتشير وتحكى قصصنا. ولا عجب فى ذلك، فالأيدى لديها قدرات ومهام ليست بالقليلة، حيث منحها الله تركيبة تساعد على أداء جميع الوظائف البشرية مهما عظمت.
حيث تعتبر اليد من أكثر أعضاء الجسد عملاً ومهام وتعبيراً عن المشاعر، سواء الفرح أو الحزن أو الشوق واللهفة والدعوة للعناق أو الخصام والنفور والترحيب والتشجيع والاعتراض ومحاولة رد الإيذاء والدفاع عن النفس، ولليد لغة للحديث خاصة جداً ومعبّرة، فمجرد السلام والمصافحة بها له الكثير من الإيحاءات والمعانى والهمزات والضحكات والرسائل، وفى الشهور الأولى للوليد توضح حركة يده طباعه وعاداته المستقبلية وطريقة تعبيره عن مشاعره بلمساته وحركة أصابعه، ولا يتوقف الأمر على ذلك، ففى الموسوعة العلمية، وفى الأوراق الخاصة بجسد الإنسان ذكر أن الإنسان الطبيعى تكون له يدان اثنتان تلتصقان بالأطراف العلوية وتتصل بالساعد عبر المعصم واليد من أهم الأعضاء الموجودة فى جسم الإنسان، والتى تسمح له بلمس الأشياء والإمساك بها. وتعتبر اليد من العناصر الأولية لإتمام عمل معين، فمن غيرها لا يستطيع الإنسان العمل أو تنفيذ ما هو مطلوب.
وتستخدم اليد للمس وتحسس الأشياء، ويوجد فى كل يد بشرية أربع نهايات عصبية، وهى التى تجعل اليد شديدة الحساسية، ومن أحد الأمور التى تؤكد قوة هذه الحساسية الاعتماد الكبير للمكفوفين على هذه الحاسة، سواء فى حياتهم العملية، أو من ناحية قراءة الحروف بطريقة برايل.
واستكمالاً لما تنطق به الأيدى فقد وجدنا بعض الممارسات المنتشرة فى أنحاء العالم، والتى تمتد جذورها إلى التنجيم الهندى والعرافين الرومانيين والهدف الأساسى من قراءة الكف هو تقييم الشخص ومستقبله. ومن الطريف أن المنجمين يؤكدون أن اليد اليمنى فى النساء تشير إلى القدرات التى وُلدن بها، أما اليسرى فتشير إلى الخبرة التراكمية فى الحياة والعكس صحيح فى الرجال. إلا أن لدى الجنسين خطاً للقلب وآخر للحكمة وثالثاً للحياة ورابعاً للقدر.
إذا انتقلنا للمبدعين والشعراء والمطربين بعد قارئى الطالع نجد أن ما من مطرب إلا وتغنى بكلمات المحبين، فقد شدت أم كلثوم بكلمات مأمون الشناوى فى أغنية (ودارت الأيام) فوصفت لقاء الأحبة بعد غياب وألم الفراق، فقالت (قابلنى والأشواق فى عينيه وسلم سلم وخد إيدى فى إيديه)، وفى أغنية (أنت عمرى)، التى كتبها أحمد شفيق كامل، قالت (هات عينيك تسرح فى دنيتهم عينيه، هات إيديك ترتاح للمستهم إيديه)، ثم تغنى عفاف راضى كلمات محمد حمزة فى أشهر أغانيها، فتقول (سلم سلم سلم مد إيدك يا حبيبى وخد سلامى)، لتشدد على المعنى نفسه ورقته وجماله وهو أن الأيدى تتكلم وتنادى وترسل الرسائل، فلنستمع بما تقول، ولندعو الله أن ننجو من أن نكون ذات يوم أيدى بلا جسد.