فى تعريف الدولة -السياسى والقانونى والمنطقى- أنها شعب وأرض وسلطة، إذا غاب أحد أضلاع هذا المثلث، نكون أمام شىء آخر غير الدولة.. نقول إن التعريف السابق قد تغير عند مصر وأصبح تعريف الدولة واقعياً هو «شعب وأرض وسلطة ودور»، لتكون مصر دولة ذات خصوصية لعبت جغرافيتها كما لعب تاريخها دوراً فى ذلك.. من أجل ذلك لم تتحطم كل محاولات احتلال المنطقة هنا على أرض مصر من تتر وإفرنج ولكن أيضاً حتى فى دورها الناعم جاءها من آخر الدنيا جمال الدين الأفغانى وجاءها بشارة تقلا وجورجى زيدان وروزاليوسف وجورج أبيض وغيرهم ممن تحققت أحلامهم وطموحاتهم هنا على أرضنا وجاء بيرم التونسى مع أسرته حتى صار أحد أهم شعراء العامية المصرية كأن عائلته عاشت فى مصر ألف عام!
ومن هنا تحررت بلادنا العربية حتى قبل أن تتحرر مصر ذاتها.. جاءها عبدالكريم الخطابى وعمر المختار والحبيب بورقيبة وغيرهم وغيرهم.. ثم أصبحت فى الخمسينات والستينات محطة تحرير أفريقيا كلها حتى ربما لا توجد دولة أفريقية واحدة لم يمر استقلالها عبر القاهرة وتحولت فعلياً إلى قبلة لكبار زعماء القارة من أحمد سيكتورى إلى نكروما ومن أسرة لوممبا إلى نيسلون مانديلا ومن جوليوس نيريرى إلى ليوبولد سنجور.. وغيرهم وغيرهم!
لماذا نقول ذلك؟ وما علاقته بمعركة الوعى؟! والإجابة المباشرة: إنه إذا لم يعرف شعبنا أو قطاعات كبيرة منه حقيقة ومعنى وأبعاد بلدهم باعتبارها دولة محورية ذات دور فى محيطها الذى يتسع ويصل لأبعد من حدودها بكثير وأن هذا الدور يواجَه من قوى وأطراف إقليمية ودولية أخرى ترى فى الدور المصرى وقوة مصر ذاتها وتقدمها اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً وسياسياً وتماسكها اجتماعياً وثقافياً، نقول إذا لم يدرك شعبنا أو قطاعات منه ذلك، فسيكون هؤلاء مرشحين للعبث بعقولهم وتوجيههم ضد مصالح وطنهم وسيقدمون خدمات جليلة لتلك القوى التى نقصدها -إقليمية ودولية- وسيكونون -طبعاً- بعيداً عن أى دعم لبلدهم أو أى حشد خلف قيادتها!
إذا لم يستوعب المصريون -أو أغلبهم- أن دعاوى تجديد الخطاب الدينى لا تستهدف العقائد، كما يخلط البعض عمداً أو يخلط غيرهم جهلاً بقصد تشويه الدعوة وتجميدها وإنما تستهدف تجديد التراث الدينى وهو بشرى خالص قدمه علماء أجلاء فى فترات زمنية سابقة أدركوا مهمتهم الأساسية كعلماء دين وهى «مطابقة الشرع على الواقع» وأن مهمتهم كانت ناجحة وأجابت عن أسئلة المجتمع والواقع فى زمانهم وأن سنة الحياة المتطورة بالضرورة تقتضى قيام علماء العصر بذات المهمة مجدداً وإلا تراكمت أسئلة الواقع من جديد تفتش عند رجال الدين عن إجابات له ولأحوال الناس، فلن تجد إلا ما تجاوزه الزمن الذى تجاوز كل شىء من الطب والهندسة إلى الكيمياء والفلك.
لذلك إذا لم يدرك الناس أن التجديد يستهدف الخطاب البشرى السابق فى سعيه لتقديم خطاب جديد معاصر يبذل فيه علماؤنا جهدهم ليقدموا ما يتوافق مع العصر وما يقدم كل صور التسامح والرحمة والإنسانية والمدنية والعلم عن ديننا، فستستمر المعادلة الظالمة التى جمدت كل شىء عن القرون الإسلامية الأولى فى عالم شديد التغير والتطور.. ونقول: إذا لم يدرك الناس ذلك فسيكونون تحت تأثير قوى رجعية ظلامية تريد بقاء الحال كما هو عليه لإدراكهم أن تقديم خطاب دينى جديد سيوقظ الأمة كلها من سباتها وسيخرجها من ضعفها وسيفضح كل دعاوى تشويه صورة الإسلام وسيقضى على أغلب صور الخرافة والدجل، وسوف يوضع العلم فى مكانته التى تليق به!
وإذا لم يدرك الكثيرون أن المجتمع يتكون من الأسر والأسر مكونة من أفراد وأن عدم اكتفاء كل زوجين بطفل أو طفلين أو ثلاثة، على أكثر تقدير، يسهم فى عدم قدرة بلدنا على إنجاز تقدم اقتصادى كبير وأن كل الإمكانيات التى تتاح، تُستهلك مع الزيادة السكانية التى تتفوق على أى معدل نمو.. نقول إذا لم يدركوا ذلك، فستظل الأزمة السكانية على حالها.. بتداعياتها وأثرها وتأثيرها على كل شىء.. ليس الاقتصاد فحسب، وإنما التعليم والخدمات الصحية المقدمة والبطالة والزحام والبيئة وكل مناحى الحياة!
وإذا لم يدرك الجميع -المصريون ومؤسساتهم- أهمية وخطورة شبكات التواصل الاجتماعى وكيف لم تزل ساحات للحشد وللتزييف الإعلامى وللاغتيال المعنوى ليس فقط للأحياء، إنما للتاريخ المصرى وأبطاله، وأن الأرقام بالداخل المصرى مثيرة حيث يقترب من يتصلون بشبكة المعلومات الدولية من خلال أجهزة المحمول من مائة مليون.. نقول إذا لم يدرك الجميع ذلك، فسنكون أمام تحديات كثيرة مقبلة!
وهكذا يمكن استعراض كل مجالات المواجهة التى تستلزم وعياً مركباً يتعامل على كل الجبهات وكافة جوانب الحياة فى مصر.. ومن دون هذا الوعى، فسنخسر الكثير وسنكون أمام مشاكل كبرى.. ومن هنا يأتى إلحاح الرئيس عبدالفتاح السيسى على هذه المعركة التى تحتاج تضافر جهود كل وزارات وهيئات مصر ذات الصلة، على أن تسبقها الرؤية، ثم الخطة لتترجم الجهود المنتظرة ذلك وتحوله إلى واقع على الأرض!