«صدقنى لن تندم» هكذا صرح لى صديقى فى ختام نقاشنا حول جدوى أن نحضر معاً مسرحية لتخرج إحدى الدفعات بمركز الإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية، فصديقى الشاب بحكم عمله فى القسم الفنى والأدبى بجريدة «الوطن» -الذى يحبه بالفعل- يرتبط بهذه الأحداث ويحرص على حضورها.. لم يكن الأمر يبدو مشوقاً، ولكن اسم المبدع الرائع خالد جلال على هذا العرض جعل الحماس يقترب منى شيئاً فشيئاً، ولم لا؟ فلنذهب لنشاهد ماذا تقدم هذه المجموعة الشابة؟
ابتسامة هادئة على وجه الجميع.. إنهم يثقون فيما يقدمونه.. يبدو هذا واضحاً فى أعينهم جميعاً.. أعرف جيداً هذا النوع من العروض الذى يقدمه مركز الإبداع الفنى بدار الأوبرا المصرية، فما زلت أذكر مسرحية «قهوة سادة» التى قدمها لنا هذا الرائع منذ أعوام قليلة.. لقد كانت تجربة مهمة بالفعل.. ولكن هل سنشاهد تجربة مماثلة فى «بعد الليل»؟ وهو اسم هذا العرض الجديد.
جلسنا فى مقاعدنا وبدأ العرض.. كنت أنوى أن أصفو بذهنى وأسرح بعيداً.. ولكنهم لم يتركونى أفعل ذلك.. فقد وجدتنى أعتدل فى جلستى تدريجياً.. ويرتفع حاجباى إلى أعلى من الدهشة.. فما أشاهده ليس تقليدياً بالفعل.
ليسوا مجرد مجموعة من الهواة يقدمون عرضاً لتخرجهم بالتأكيد.. وإنما مجموعة من المحترفين.. لا شك فى هذا.
إنه عرض نقدى خفيف عبقرى، يدور حول كل سلبيات المجتمع الحالية، وظواهره المرفوضة من رشوة وتحرش وسرقة وتطرف واتجار بالدين وبالمبادئ، دون إسفاف أو تطاول، نقد موضوعى يدور حول الظاهرة وأسبابها، لا يعطى أعذاراً لأحد، ولكنه لا يحكم بالإعدام على أحد أيضاً.. مزيج غريب ممتع من الأفكار.. وخليط أكثر متعة من التمثيل والإبداع.. إنه سؤال مهم بسيط يطرحه ذلك المخرج الرائع فى براءة تبدو على وجوه ممثليه الشباب «ما الخطأ الذى أوصلنا إلى هذا؟».
ربما تكون المرة الأولى التى أتقمص فيها دور الناقد الفنى، فأتحدث عن عرض مسرحى، ولكنهم يستحقون الإشادة بالفعل..
لقد تمكن خالد جلال من أن يصنع من تلك المجموعة من الهواة المبتدئين فريقاً مسرحياً محترفاً، واستطاع أن يستغل إمكانيات العرض المحدودة فى أن ينتج لنا عرضاً ينافس به العروض المحترفة.. بل وتمكن أن يقدم لنا اكتشافات جديدة، ونجوماً جددا سنراهم بكل تأكيد يتصدرون الصفوف فى الأعوام القليلة المقبلة.
سوف نرى «إسلام عبدالله» قنبلة الكوميديا الجديدة، و«ميرنا جميل»، الجميلة التى تجيد التحكم فى تعبيرات وجهها.. و«محمود الليثى» الساخر الأسمر وغيرهم من نجوم هذا العرض.
لقد استمتعت بالفعل، وأدركت أن المسرح المصرى ما زال محتفظاً بشبابه، وأن الأرض الخصبة لم تبُر، فستنتج نجوماً جدداً يستطيعون تقديم مثل هذه الأفكار التى تستحق العرض،ويستحقها الوطن.
نحتاج كثيراً فى هذه الأيام إلى مثل هذه العروض الجميلة، التى تنقد الواقع دون ابتذال، والتى تقدم لنا نجوماً شابة، يمكنها أن تغير هذا الواقع الأليم الذى يعانى منه المسرح المصرى منذ فترة ليست بالقصيرة.
لم يخذلنا خالد جلال فى عرضه الجديد، كما لم يخذله طلابه الموهوبون، والأهم، أنهم لم يخذلوا محمد عبدالجليل، صحفى «الوطن» الشاب الذى يعشق عمله، والذى اصطحبنى إلى حيث لم أندم أبداً.. شكراً خالد جلال.. وشكراً لنجومه الشباب.. ولمحمد عبدالجليل بالطبع.