زمان قال المصريون «التشافيط ما بتملاش قرب».. يصدق هذا المثل على حرب تكسير العظام التى تدور حالياً بين منظمة أوبك وأوبك بلس والدول كثيفة الاستهلاك للنفط.
الولايات المتحدة الأمريكية قررت ضخ 50 مليون برميل بترول من احتياطيها النفطى، واتجهت الهند إلى ضخ 5 ملايين برميل، والبقية تأتى، ورغم ذلك لم يتزحزح سعر البرميل إلى الوراء إلا قليلاً.
الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول كثيفة الاستهلاك للنفط تسابق الزمن حتى تجد حلاً للمشكلة قبل التوغل أكثر فى أيام الشتاء، حيث يمكن أن يواجه الغرب أزمة عاتية نتيجة ارتفاع الحاجة إلى الوقود وبالتالى زيادة أسعاره نتيجة اشتداد الطلب عليه. وقد جربت بعض الدول الأوروبية -مثل إنجلترا- أياماً صعبة فى الأربعينات، عندما واجهت أزمة وقود شبيهة بالأزمة الحالية.
فى المقابل يبدو أن دول أوبك وأوبك بلس مصرة على تعويض خسائرها خلال فترة الانهيار المدوى فى أسعار البترول (أبريل 2020)، وقد أقبلت الصين وغيرها من الدول كثيفة الاستهلاك خلال هذه الفترة على شراء كميات هائلة من النفط وتخزينها، وهى الكميات التى تشكل الاحتياطيات التى تفكر الدول كثيفة الاستهلاك فى السحب منها الآن.
انهيار أسعار البترول عام 2020 ارتبط بجائحة كورونا، ووجود توقعات باستمرار الفيروس لشهور عديدة تالية، لكن المسألة بدأت تختلف الآن، بعد أن اتجه العالم كله إلى التطعيم كبديل للإغلاق، وبالتالى ارتفع الطلب العالمى على الوقود، مما أدى إلى ارتفاع سعره.
كما كان الانهيار فى سعر الوقود مؤقتاً، فإن الارتفاع فى أسعاره حالياً مؤقت، فالسعر يصنعه العرض والطلب، ويبقى أن الطفرة الحالية فى أسعار النفط يجب ألا تغرى دول أوبك وأوبك بلس بالتعويل على المستقبل كثيراً، لأن ثمة بدائل عديدة سوف تقلل من معدل الاعتماد على الوقود «الأحفورى» خلال السنوات القادمة.
فالبترول الصخرى، وهو نوع من البترول المستخرج من الصخور، بات منافساً مهماً للبترول الأحفورى، وكانت مشكلته فى الماضى تتعلق بارتفاع تكلفة إنتاجه، لكن الوضع يختلف حالياً. ومنذ سنوات طويلة نشطت أمريكا فى استخراج هذا النوع من البترول، وهو أمر أثار انزعاج العديد من الدول المنتجة للبترول.
هناك أيضاً توسع عالمى فى إنتاج واستخدام السيارات الكهربائية، ما يعنى القدرة على الاستغناء عن «البنزين والسولار» وبعض المشتقات البترولية الأخرى مستقبلاً.
يبقى أن الأزمة الحالية أكدت على قيمة المدخرات كأداة لمواجهة الأزمات، فالاحتياطيات البترولية مثلت لدى الولايات المتحدة الأمريكية أداة جيدة للتخفيف من حدة الأزمات، لكن من المهم الانتباه إلى أن المدخرات لا يمكن الاعتماد عليها إلى ما لا نهاية.
كما كشفت الأزمة أيضاً الفارق بين نمط «التفكير الماضوى» الذى يحكم الدول المنتجة للبترول التى لم تزل تنظر إلى البترول كمصدر وحيد للثروة، ولا يسعى أغلبها بجدية إلى تنويع مصادر الدخل القومى بصورة تمكنها من مواجهة أى أزمات تضرب أسواقه كما حدث فى ربيع 2020، ونمط «التفكير المستقبلى» الذى يحكم تفكير الدول المستهلكة للبترول والقائم على تعديد وتنويع البدائل بشكل مستمر.