«الوقاية أرخص من العلاج»، حكمة طبية تطورت إلى «الوقاية أفضل من العلاج»، وأخيراً أصبحت الوقاية قد تغنى تماماً عن العلاج وأزمة فيروس كورونا أثبتت ذلك، والدول حالياً تُخصّص معظم ميزانية الصحة للوقاية حتى تمنع وقوع الأمراض، لأن العلاج أحياناً لا يُجدى مع المرض ويترك أثراً فى جسد الإنسان، وإنفاق جنيه على الوقاية يوفر مليوناً فى العلاج. «الوقاية تغنى عن العلاج»، حكمة أصبحت مطلوبة فى الطب وكل أمور حياتنا، خاصة للقضاء على الفساد.
الرقابة الإدارية تبذل جهوداً كبيرة فى مكافحة الفساد، ومؤخراً ضبطت مسئولين كباراً فى الدولة فاسدين، ومتلبسين بتقاضى رشوة نظير القيام بأعمال غير مشروعة والإضرار بالمال العام أو تسهيل الاستيلاء عليه وتربيح آخرين.
الرقابة عليها مهام كثيرة، ليس فقط فى اختيار القيادات ومكافحة الفساد المالى والإدارى، ولكن أيضاً متابعة المشروعات القومية وحل مشكلات المستثمرين وضبط الأسواق ومراقبة الأسعار ومراجعة تراخيص المبانى وإزالة المخالفات واستعادة الأراضى المنهوبة والتفتيش على المستشفيات، وغيرها من التكليفات الموكلة إليها من رئيس الجمهورية.
الرقابة تقوم بمكافحة الفساد وضبط المتهمين أثناء ارتكاب الجريمة، كما تحاول منعه من المنبع، فالوقاية منه تغنى عن علاجه، ونحتاج إلى تكثيف الجهود فى اتجاه الوقاية، لأن الفساد ضارب بجذوره فى معظم المؤسسات، وتحول من فساد الإدارة إلى منظومة لإدارة الفساد، والقضاء عليه يكون من خلال منظومة حوكمة صارمة وتنقية القوانين والقرارات المتعارضة والتحول الرقمى وميكنة الخدمات لمنع التعامل المباشر بين طالب الخدمة ومقدّمها مع تحسين الأجور.
السيد رئيس هيئة الرقابة الإدارية خلال كلمته الخميس الماضى بمناسبة احتفال مصر باليوم العالمى لمكافحة الفساد ، استعرض جهود الهيئة فى مكافحة الفساد، وأكد تطوير سياسات مُكافحة الفساد باستخدام آليات الوقاية والمنع، كما أكد على دور الإعلام فى ذلك، وعزم القيادة السياسية الصادق للتصدى لتلك المُشكلة. ومن وجهة نظرى، محاربة الفساد تتطلب أيضاً التوسع فى تعريفه، فهو ليس فقط الاستيلاء على المال العام أو تسهيل الاستيلاء عليه أو التربّح من الوظيفة بطريقة غير شرعية، ولكن أيضاً الفساد هو عدم إتقان العمل ومقاومة التطوير والتغيير، وعدم متابعة المشروعات، وإهمال صيانتها، وتقاضى أرباح وحوافز من مؤسسات خاسرة وفاشلة. الفساد هو سفر المسئولين إلى الخارج دون فائدة على البلد وعدم الإبداع والتفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول لمشكلاتنا وتعطيل مصالح المواطنين.
الفساد هو الاحتكار وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وسوء استغلال مرافق الدولة وتعطيلها وتدمير الصناعة الوطنية لصالح الاستيراد والتوسّع فى الاقتراض على حساب الإنتاج وإعاقة الاستثمار ومحاربة المستثمرين وتدمير الكفاءات وعدم الاستفادة منها أو هروبها خارج البلاد. أما أخطر أنواع الفساد فهو سوء اختيار القيادات، وهذا هو مربط الفرس، لأن القيادات الفاشلة تتسبّب فى انتشار الفساد وإهدار المال العام وتدهور الخدمات وزيادة الفقر والمرض والجريمة والبطالة، بل إن سوء الاختيار قد يؤدى إلى انهيار المؤسسات بالكامل، أما حُسن الاختيار فهو كل النجاح، وحينما سُئل «عمر بن الخطاب»: «ما الذى إذا فعله القائد كفاه؟»، أجاب: «حُسن اختيار معاونيه»، فالقيادة الكفء تختار الأكفاء وتعتمد على من يُعتمد عليه حتى ترتقى بمؤسساتها، أما القيادة السيئة فتجمع حولها الفاشلين الضعفاء والمنافقين وتستبعد المتميزين. حُسن اختيار القيادات وقاية من الفساد ومنع حدوثه، واجتثاثه من جذوره، وأرخص من علاجه بعد وقوعه.
ومصر لا تنقصها الكوادر فى القطاعين العام والخاص فى داخل البلاد وخارجها، والاهتمام بهذا الملف هو علاج للمرض وليس للعرَض، لأسبابه وليس لنتائجه، فالوقاية دائماً أفضل وأرخص وتغنى عن العلاج، والله الموفق والمستعان، وتحيا مصر.