فى استراحة سريعة بعيداً عن القضايا الحيوية، من أغنية «الغزالة رايقة»، وهل إقامة حفل خطوبة حرام شرعاً، والحرب المشتعلة بين فنانة ووالدها وأخرى وطليقها، نتلصص على ما يجرى من معضلة يعتبرها البعض كبرى، حيث شركات طيران عظمى تعلق رحلاتها إلى وجهات فى الولايات المتحدة الأمريكية، لمخاوف تتعلق بالتشغيل المتوقع لخدمات الجيل الخامس من الهاتف المحمول أو 5G.
هذا الـ5G ليس مجرد جيل جديد من خدمات المحمول التى تتميز بسرعة تنزيل محتوى الإنترنت من فيديوهات وصور وغيرها بسرعة نحو 20 جيجا بايت فى الثانية، وهى سرعة فائقة مقارنة بالسرعات المتاحة حالياً، كما أنه ليس إمكانية ربط آلاف الهواتف المحمولة تصل إلى مليون هاتف مرة واحدة، وهى قدرة تفوق قدرة الجيل الرابع القادر على ربط نحو 60 ألف هاتف. صحيح أن إتاحة مثل هذه الإمكانيات ستستغرق بعض الوقت، وذلك لأسباب تتعلق بالبنى التحتية وقدرتها على الاستيعاب والحاجة إلى تركيب هوائيات فى كل مكان، وهو ما يجرى على قدم وساق فى بعض الدول. هذا الربط بين الأجهزة سيسمح بأن تتخذ أجهزتنا قراراتنا نيابة عنا، بناء على حجم ونوعية المعلومات التى تختزنها عنا وعن خياراتنا وتوجهاتنا، وهى الإمكانية التى تُذهل كثيرين، لكنها أيضاً تسبب الهلع لآخرين. ولا يسعنا بالطبع سوى استدعاء سلاسل أفلام الخيال العلمى -المرشحة للتحول إلى واقع عملى- حيث الأجهزة تعلن الثورة على البشر، وبدلاً من القيام بدور الخادم لنا تقرر لعب دور المخدوم.
كما أن الـ5G له علاقة وثيقة بالبيوت الذكية القائمة على تقنيات الذكاء الصناعى التى ستتيح لنا فى وقت ما الاعتماد على الذكاء الصناعى للقيام بالأعباء المنزلية من طبخ وغسل وكنس ومسح وغيرها.
قائمة الإمكانيات الهائلة التى تتيحها الـ5G طويلة، لكن قائمة المخاوف أطول. وهذا شأن كل تقنية جديدة. مهاويس أى تقنية جديدة يسخرون من أى مخاوف أمنية أو معلوماتية أو حتى تتعلق بسلامة البشر. بداية، فإن عشرات شركات الطيران، بينها شركات أمريكية، حذرت من «المصيبة» المتوقعة فى ضوء إعلان عدد من الدول بدء تشغيل خدمات الـ5G. هذه الشركات أشارت إلى تداخل شبه مؤكد بين إشارات شبكات الـ5G وموجات التردد المستخدمة فى الملاحة الجوية، ويزداد الأمر خطورة وصعوبة فى ظل الظروف الجوية السيئة.
وللعلم والإحاطة فقط، فإن الموضوع ليس خناقة أو عركة. كما أن «المصيبة»، مهما بلغت من قوة أو وطأة، لن تؤدى إلى قرار فوقى بإلغاء الـ5G، فقد ولى هذا الزمن وأدبر فى عصر الثورة والتقنيات الرقمية والمكاسب الاقتصادية المليارية. الأمر سيتطلب وقتاً لفك نسبى للاشتباك، واقتسام معقول للمسئوليات، والوصول لاتفاق واقعى لا يُرضى الجميع بالضرورة، لكن يُرضى الحد الأدنى للبعض ويوافق عليه البعض الآخر.
إنه توازن مختلف للقوى الدولية، وهو توازن لم يعد قائماً على القوى العضلية والهيمنة العسكرية فقط، بل تدخل وتتداخل فيه موازين معلوماتية وتقنية ورقمية عظمى. وبالطبع لا يفوتنا ذكر المصالح الاقتصادية المليارية وتشابكها مع الأمن والاقتصاد والسياسة وأشياء أخرى.
ويشار إلى أن خناقة الجيل الخامس شغالة منذ سنوات. وشهدت صراع قوى اقتصادية وسياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر خناقة «سيب وأنا أسيب» بين أمريكا والصين وبريطانيا وغيرهما حول مقدار الأجزاء الذى يُسمح لشركة «هواوى» بتصنيعها، ومن يصنع الأجزاء التى تحوى المعلومات الحساسة.. والموضوع كبير ويحتاج بالفعل إلى غزالة رايقة جداً.