قد يسعد البعض حين يسمع أن سيادة الرئيس بصدد إصدار قانون يجرم ازدراء ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وقد تزداد سعادتهم حين يكتشفون أنه بموجب هذا القانون قد يتخلصون من الكثيرين ممن افترشوا الساحة الإعلامية فى العام الأخير تحديداً، وأساءوا إليها كثيراً.. ولكننى -وللأسف- لم أستطع أن أشاركهم سعادتهم تلك.
ففى وطن حر نسعى إليه.. وفى مجتمع مدنى حقيقى.. لا مكان لقوانين تجرم رأياً.. أيا كان تطرفه.. ولا مجال لتحريم الانتقاد ولا حتى الهجوم.. طالما التزم بالمعايير الأساسية التى ينبغى أن يلتفت إليها القانون أولاً.. فانتقاد الثورة ليست جرماً. والمؤمنون بكلتا الثورتين أو إحداهما ليسوا خونة.. حتى وإن خالف رأيهم رأيى الشخصى.. فلولا اختلاف الآراء والرؤى لما كان الحوار المجتمعى ولا كان حتى لما نكتبه قيمة من الأساس. المشكلة الأساسية لا تكمن فى انتقاد البعض لإحدى الثورتين، ولا تكمن فى أن البعض يحاول تخوين شباب ٢٥ يناير الشريف، المشكلة أكثر بساطة يا سيدى الرئيس.. المشكلة أن المساحات الإعلامية مغلقة أمام البعض، ومفتوحة أمام البعض الآخر، ولهذا فرأياً واحداً هو ما نجده على شاشات التلفاز أو على صفحات الجرائد، وبالتالى فإن العامة لا يجدون رداً على انتقاد، أو دفاعاً عن هجوم.. فتصبح أمامهم الحقيقة منقوصة غير مكتملة. ففى الوقت الذى تفرد فيه صفحات كاملة للهجوم على ثورة ٢٥ يناير، لا تجد أحداً يقبل أن ينشر رأياً لمن يدافع عنها، وفى الوقت الذى تجد فيه إعلامياً شهيراً، يستغل ساعات من برنامجه اليومى لشيطنة شباب الثورة.. لا تجد من يستضيف هؤلاء الشباب.. للدفاع عن ثورتهم أولآً، وعن أنفسهم ثانية.
كان من باب أولى -سيدى الرئيس- أن تتم محاسبة المسئولين عن تلك الفوضى الإعلامية التى رأيناها.. والتى ما زالت مستمرة حتى وقتنا هذا، فلا أعتقد أن هناك حاجة لإصدار قانون جديد لمحاسبة من أذاع تسجيلات تليفونية على شاشة التلفاز، دون أن يمتلك الحق فى هذا، أو تتم محاسبة من يتهم هؤلاء الشباب بالخيانة، دون أن يمتلك دليلاً واحداً يعضد موقفه.
سيدى الرئيس..إن محاولة إرضاء هذا الشباب الشريف المخلص لن تنجح بتجريم من يهاجم ثورتهم، بل ستنجح بالسماح لهم بالظهور الإعلامى، وإتاحة الفرص أمامهم للدفاع عن ثورتهم، و نشر أفكارهم التى نزلوا إلى الميدان من أجلها، بل وترويجها إعلامياً، وأى محاولة لتجريم الرأى الآخر أياً كان لهو جريمة فى حد ذاته، والحرية التى قامت من أجلها ثورة يناير هى نفسها التى ترفض هذا القانون، فليس كل من يهاجم يناير مجرماً، بل قد يكون وطنياً مخلصاً، ولكنه ضل الطريق، وليس كل من رفض يونيو خائناً، وتجريم الرأى الآخر لهو أولى درجات التطرف الذى نزل الشعب ضده فى يونيو، والذى نعمل جميعاً جاهدين على تجريمه واستئصاله من هذا الوادى الطيب.
سيدى الرئيس.. لن نتقدم خطوة واحدة قبل أن يضع من يرى أن يناير نكسة يده فى يد من نزل فيها، وقبل أن تقترب الآراء المختلفة، أو تتفق على أرضية مشتركة للوقوف عليها، وقبل أن تتم محاسبة الذين تجاوزوا القانون من المعسكرين، وقبل أن نؤمن جميعاً بأن حرية الرأى هى أولى درجات التقدم.