مر عام 2014 سريعاً، وثقيلاً ومشحوناً، لكنه مر.. ووفق الإعجاز الإلهى لميكانيزم الوقت والعمر فمهما حملت اللحظة بالأحداث فإنها تعبر بنفس درجة سرعتها، ويبقى شعور المرء خادعاً على الدوام، عندما يضع اللحظات بجوار بعضها البعض ليطلق حكمه على مرور الوقت، سريعاً كان أم بطيئاً، وهو فى حقيقة الأمر يحكم على نفسه هو بماذا فعل فيه وكيف تعامل معه. ويستكمل باقى الإعجاز مفرداته فى كون كل ما مر من وقت قد راح وصار منفلتاً لا يملك أحد القبض عليه أو استرداده بأى صورة، إلا فى حالة واحدة فقط أن تكون بنيت فيه شيئاً يشكل خطوة للقادم، وحتى فى هذه الأخيرة لا يمكن إنكار أن ما نمتلكه حقاً هو ما فى أيدينا وبعض من القادم لا نملك تحديده إنما ما مر فقد مر!!
السؤال الذى بقى معى فى لحظات العام الأخيرة كان عن الوطن، وماذا فعل فى رحلته الجمعية مع هذا العام الذى وُصف بحق أنه مثقل بالأحداث، لم تغادرنى حقيقة أن عام 2014 قد عبرنا ولم نعبر فيه، مر علينا وبقينا نحن لم نعبره.. والبون شاسع ما بين الفعلين، ولتأكيد إجابتى لنفسى على الأقل كان العام الذى سبقه مباشرة 2013 هو أصدق تعبير لعام عبرناه بفعلنا من أوله لآخره، لم يكفِ العام فقط ثورة 30 يونيو وهى تكفى وحدها، إنما ظل تحركنا الجمعى منذ لحظات العام الأولى يلتهم لحظاته بكل أنواع الفعل الإيجابى، لم نترك لحظة إلا وسخرناها إما للفهم أو لتشكيل الفعل أو لتخطيط وتقييم رد الفعل، كنا نعبر العام والوقت، وننفض دون اتفاق أى محاولة للعبور علينا حتى ونحن نهدد فى آخره بأن وطننا بأكمله صار على المحك، الرصاص والتفجيرات تلعلع فى شوارعنا وفى العاصمة ونحن نشحذ همة فولاذية لكى نمر، 2013 عام عبرناه بامتياز ومن فرط زحام ما قمنا به مر عام كامل بعده ولم نتحدث عنه بعد!!
هذا هو الفارق بوضوح، والمقارنة ليست فى صالح 2014 بأى حال وهى ليست ظالمة فالأمر بالفعل جد، فى غالب 2014 إلا القليل منه جلس الناس ينظرون ثانية لما يجرى بجيّده وبأخطائه وبكثير من تباطؤه، وهذا فعل مشاهدة لشىء يمر، انفلتت خيوط التحكم فيه من أيدى الغالبية العظمى ممن لهم الحق فى الإمساك بالخيوط، انفلات الفعل الجمعى وحده من المشهد دلالة نكوص حتى لو سيقت تلال من التبريرات والفلسفات، الخروج من الملعب سريعاً لمقاعد المتفرجين لم يكن خياراً طوعياً بقدر ما هو خلل ما أصاب قواعد اللعبة، وعدم الانتباه أو إحصاء المغادرين يعمق الخلل ويعود بالوقت مرة أخرى ليكون رصيداً مفقوداً، فمهما أحرز من أهداف لا يوجد جمهور.
الذى لم يغفله الوطن طوال العامين السابقين أنه دون سابق إنذار شكل حلمه وأحسن رسمه، وضع الحلم مصهوراً بثلاثين عاماً وثورتين بكل ما لم يكن يرضيه، ووقف الآن على أطراف أصابعه ينظر إلى الأمام كيف سيتأتى عليه تحقيق الحلم، يرقب الوطن الآن عام 2015 وقد صار إجبارياً عام تحقيق الحلم، أول قرارات الحلم أن الوطن أتى برئيس جديد له طعم القادم وطموح الغد وملامح زعيم، ليس من قبيل التواكل أن الوطن لن يقبل منه بأقل من ذلك، هو وحده دون غيره الموكل إليه إصلاح الملعب ووضع قواعد جديدة للعبة، تماماً كما هو مطالب بتحديد من سيدخل ومن عليه الخروج، الوطن قرر بالفعل ربما دون أن يدرى أنه لن يقبل بأقل من الأفضل، ربما هذا مأزق لكن كل ما فى الأمر أنه ليس فى الحلم أنصاف حلول.