فى المقال السابق تحدثت عن حرية التفكير والإبداع الفنى والثقافى كأحد جسور تجديد الخطاب الدينى، والذى يصنع عقلية نقدية قادرة على التجديد والتحديث، وفى هذا المقال الثانى ضمن سلسلة مقالات أحاور فيها المؤسسات الدينية فى مصر، وعلى رأسها فضيلة الإمام شيخ الأزهر والسيد وزير الأوقاف ومفتى الديار المصرية وكل مشايخ مصر الوطنيين، وذلك لبناء جمهورية جديدة عمادها الحداثة والتنوير.
ولإيمانى الشديد بأهمية التعايش بين المرأة والرجل وأبناء الديانات المختلفة والألوان التى تنتشر كالأزهار والورود ولها عشاق فى كل مكان، ولأننى أعلم كل العلم أن ديننا الإسلامى لم يفرق بين إنسان وإنسان إلا بالتقوى، حيث أذن بلال الأسود بالمصلين وما زال يعيش بلال فى قلوبنا، كما تزوجت مارية القبطية من رسول الإسلام وأحبها وأحبته، وكانت المرأة تحارب من أجل رسالتها الدينية يداً بيد مع الرجل فى مختلف الحروب والغزوات، سواء من خلال إمداد الجنود بالمؤن أو السهر على علاجهم، وتطيب معاناتهم.
وللأسف انتشر فى مصر فى الآونة الأخيرة حالة عداء وعنف رهيب ضد المرأة صنعها أعداء الوطن والإسلام أيضاً لزراعة فتنة بين جنود الإنتاج، حيث لا نتخيل مجتمعاً صناعياً أو زراعياً أو إنتاجياً بشكل عام بدون المرأة والرجل معاً، هكذا تُبنى الأوطان، كما أننا - وللأسف - نشاهد حالات التحرش والعنف الأسرى التى تغتال المرأة نفسياً وجسدياً، وهناك بلاغات رسمية وحالات كثيرة نسمع عنها من اعتداء صارخ ضد المرأة جسدياً ولفظياً فى البيت والعمل والشارع.
وفى ظنى أن تجديد الخطاب الدينى لن يأتى من رجل أو إمام أو خطيب أو فقيه أو مفتٍ أو مفكر دينى لم يكن فى مدارس مختلطة منذ المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، حيث إن هناك مدارس أزهرية مختلطة فى المرحلة الابتدائية فقط، وأخرى لا يوجد فيها اختلاط على الإطلاق منذ الابتدائية.
وللتوضيح أكثر فكيف يقتنع هؤلاء الذكور بأن المرأة مثلها مثل الرجل فى كل شىء ولها الحق فى أن تصبح رائدة فضاء وعالمة وطبيبة وقاضية ورئيسة جمهورية ووزيرة ونائبة وشاعرة وكاتبة ومناضلة وعاملة فى مصنع ومزارعة، وهى غريبة عنه منذ الطفولة إلى أن ينتهى من دراسته الجامعية؟ وفى ظنى أن هؤلاء الطلاب الذكور يجب أن يحصلوا على العلم فى فصول مشتركة مع الفتيات حتى يروا الفتيات وهن متفوقات فى المعمل وفى القراءة وفى الكتابة وفى تعلم اللغات وفى تفسير الظواهر وفى إلقاء الشعر والكتابة والرسم والطرب وكتابة الأبحاث فى المرحلة الثانوية والجامعية.
كما أن التلاميذ ذكوراً وإناثاً يجب أن يشتركوا فى الأعمال الميدانية البحثية معاً وفى معسكرات سمر وكشافة وجوالة، ويشتركوا معاً فى التحضير لمختلف الأعمال، وحينها سيتأكد تماماً هؤلاء الذكور أن المرأة شريكة لهم فى العمل والنجاح ولن يتجاوزوا على الإطلاق فى تعاملهم معها أو اعتبارها ناقصة أو أقل منهم فى المقام أو التفكير أو فى النشاط.
وأخيراً فى بداية الخليقة كانت المرأة والرجل متساويين تماماً فى كل الأعمال التقليدية، حيث كانا يأكلان من على الشجر ويبنيان مكاناً للعيش، وعندما عرف الإنسان النار ثم الطهى ثم الصيد ظهر تقسيم العمل، فحينها أصبح للرجل ميزة أعلى من المرأة، وأصبح هو من يخرج للصيد، ثم بعد ظهور الزراعة قوى بنيان الرجل فأصبحت المرأة أكثر ضعفاً من الرجل جسدياً، كما أن الرجل هو المسئول عن إطعام الأسرة، ومن هنا بدأ المجتمع الذكورى، وظل الرجل هو المتسيد الأقوى والأعنف لآلاف السنوات، ولكننا بعد أن اكتشفنا العلم الحديث وأصبحت تحكمنا الدساتير والقوانين ووضعنا ميثاقاً عالمياً لحقوق الإنسان وشاهدنا المرأة تحكم كرئيسة جمهورية ورئيسة وزراء وعالمة وقاضية ومحاربة فى مختلف الجيوش تقوم بنفس مهمات الرجل.
فعلينا أن نتفاعل مع كل هذه المتغيرات وأن نربى الأجيال القادمة على تجريم رفض المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لأن من يرفض ذلك عليه أن يعود للعيش فى الكهوف ولأننا نؤسس جمهورية جديدة فعلينا أن نصوب أنظارنا تجاه العلم والحداثة والصناعة والزراعة والمجتمع الإنتاجى الذى لن يتحقق إلا بتعاون كامل بين المرأة والرجل، ولن نشهد تجديد خطاب دينى لا يفرق بين رجل وامرأة إلا من خلال التعايش الذى يبدأ فى الطفولة ويستمر إلى نهاية العمر.