البابا «تواضروس الثانى» أقرب إلى من؟. هل هو من مدرسة البابا كليروس السادس أم من مدرسة البابا شنودة الثالث؟.. سؤال يحير الكثيرين، بل إن الإجابة عنه تحير البابا الجديد نفسه!. فقد بادر فى أول تصريح له بعد اختياره كرأس للكنيسة الأرثوذكسية إلى الإشارة إلى أنه تعلم من كل من البابا كليروس والبابا شنودة، وأنه يحرص على دعم الدور الروحى للكنيسة، وفى الوقت نفسه يريد أن يعيد ترتيب البيت من الداخل من أجل ما فيه صالح أقباط مصر (شعب الكنيسة على حد تعبيره).
فى تقديرى أن كل أب من الآباء الكرام الذين اعتلوا كرسى مرقس الرسول هو «ابن لظروفه»، قبل أن يكون تابعاً لمدرسة بابوية معينة فى الأداء، وينطبق هذا الأمر على البابا «تواضروس» الذى لن يستطيع أن يؤدى بطريقة الأب «كليروس» أو الأب «شنودة»، لأنه يتعامل فى ظل معطيات مرحلة تختلف جملة وتفصيلاً عن المرحلتين اللتين تولى البابوية فيهما الراحلان. ومن عجب أن البابا كليروس السادس تنيح بعد وفاة الرئيس عبدالناصر بما يزيد قليلاً على خمسة أشهر (9 مارس 1971)، فى حين تنيح البابا شنودة الثالث بعد خلع حسنى مبارك، بما يزيد قليلاً على العام (17 مارس 2012)، وكأن كل مرحلة سياسية جديدة تأتى معها ببابا جديد!.
وقد كان البابا كليروس معنياً بالشأن الروحى أكثر من الشأن السياسى بسبب الظروف التى سادت فترة الستينات، حين لم يكن الحكم يعتمد على الدين كمصدر للشرعية، أو يرتكن إلى القوى السياسية الدينية فى إدارة أموره السياسية، بل كان يعتمد على فكرة المساواة النسبية ما بين الجميع فى العدل وكذلك فى الظلم!، وبالتالى لم تكن هناك حاجة لدى الكنيسة لتنزل إلى عالم السياسة فى ظل واقع غاب فيه الدين عن السياسة إلى حد كبير. وقد اختلف الأمر بعدما تولى الرئيس أنور السادات الحكم، حيث صعد دور جماعة الإخوان فى الحياة السياسية، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من مركب المشهد السياسى فى مصر، وهو الأمر الذى فرض على الكنيسة ضرورة النزول إلى شارع السياسة، وبدأ الصوت السياسى للبابا شنودة يبدو شديد الوضوح فى العديد من المواقف، وبدأ الأقباط المصريون يتحلقون حوله من أجل الدفاع عن حقوقهم السياسية.
البابا «تواضروس» سيجد نفسه مضطراً إلى التعامل مع حقائق المرحلة الجديدة التى نعيشها، ومهما حاول الابتعاد بالكنيسة عن الشأن السياسى فإن الظرف لن يسمح له بحال، بل من المتوقع أن يزداد تورط الكنيسة فى هذا المجال، عما كان فى عهد البابا شنودة.. وربنا يستر على مسلمى مصر ومسيحييها من إخوانها وسلفييها!.