تعلمت أن الحزن رفاهية فى وقت المحن، هكذا خبرت الحياة منذ وفاة أمى وأبى. فحينما تتحمل المسئولية فلا وقت للحزن أو الكراهية أو الحب. فقط هو وقت العمل والقرارات واستشراف المستقبل لتحديد موضع خطواتك. وهذا الأسبوع صدمتنا المصائب حينما استيقظنا على حادث اغتيال النائب العام فى وضح النهار -بشكل ذكرنا بحادث اغتيال رفيق الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق عام 2005- وصحونا فجر الأمس على خبر اقتحام عناصر الإرهاب فى سيناء لخمسة كمائن عسكرية راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين من رجال قواتنا المسلحة. وهنا وجب التوقف للفهم وتقدير الموقف ومراجعة الذات، وحديثى لرئيس الدولة المصرية.
سيدى الرئيس لن تصلح سياسة «البين بين» ومسك العصاة من الوسط فى حماية بلادنا من إرهاب أو فساد يدعم كل أشكال الخيانة. فإما أننا فى حالة حرب أو أننا فى حالة تراخٍ سنظل ندفع ثمنها. ولذا فما أحوجنا جميعاً لحالة من الحسم وسرعة تطبيق القانون تدعم اصطفاف المجتمع خلف ما يتم اتخاذه من قرارات.
سيدى الرئيس منظومتنا فى الأمن الداخلى لن تصلح فى مواجهة إرهاب دول وأجهزة مخابرات بتنا نعلمها بالاسم. فأين مراجعة الكفاءات والخطط والاستعداد لإرهاب تذكرنا كل يوم عن توقعنا له منذ قررنا مواجهة عدونا الإخوان وخلعهم من حكم مصر؟ أين نحن من أساليب حديثة وتكنولوجية فى التعامل مع الموقف الراهن؟ أين نحن من حملة توعية مجتمعية يدرك فيها الجميع أنه مسئول فيقوم بواجبه؟ أين نحن من دعم بالمعلومات ومكاشفة لما يجرى على أرض الواقع بكل تفاصيله بدلاً من شائعات تتحقق من عدو خارجى؟
سيدى الرئيس تعلم أكثر منا جميعاً حقيقة سيناء وتوغل الفكر الإرهابى والجهادى بين ثنايا بيوتها بالفطرة لا بالانتماء وحسب. تعلم أكثر منى تاريخ التشدد فى سيناء وأسماء أسست له تحت مبدأ الحاكمية وتكفير المجتمع، وعلى رأسهم صلاح شحاتة وخالد مساعد وأيمن الظواهرى ومحمد خليل الحكايمة و«أنصار بيت المقدس» وانضمامه لـ«داعش». لذا دعنى أسألك: لماذا لا يتم تفريغ شمال سيناء ودكها على مَن فيها من الإرهابيين قولاً فصلاً؟ هجّرنا مدن القناة حينما اشتدت الأحداث علينا فى الستينات، فلماذا لا نفعلها اليوم مع قبائل تضغط عليها صلة الأرحام لإيواء الإرهاب؟ لماذا نرضخ لمساومات الغرب المحرض والممول لما يحدث فينا؟ لماذا نصمت على دماء أبناء هم الحياة لنا وهم سند البلاد وعمود ظهورنا؟ لا تقل لى يذهبون لتحيا مصر، فأنا أعلم لمَ علينا الذهاب، ولكن هناك فارق بين الموت غدراً وبين الموت وأنت متفوق على عدو؟ أتذكر كلماتك للفريق أسامة عسكر فى مسرح الجلاء عقب حادث جلل آخر، حين قلت له لن يتكرر هذا الأمر، ولكنه تكرر وتكرر.
سيدى الرئيس أين قانون فاصل رادع للإرهاب تصل فيه العقوبات للإعدام لمن ينتمى أو يتدرب أو يشارك فى أى عمل إرهابى مهما كان صغر دوره ليكون عبرة للآخرين؟ أين نحن من قانون «بوتين» حينما حارب الإرهاب فى الشيشان فجعل دفع التعويضات عن أى عمل إرهابى تروح فيه أرواح أو تدمر فيه مؤسسات، مسئولية أقارب الإرهابى حتى الدرجة الرابعة، وهو ما منح الأمن الروسى رقاب إرهابيين لم يحلموا بالوصول لها بعد إبلاغ أقاربهم عنهم؟
وأخيراً سيدى الرئيس لن تستقيم أمور بلادنا ما دام فيها مسئولون يعملون وفقاً لرؤية سيادتكم وتوجيهاتكم وما تأمرون به. فبحكم إنسانيتك لن تدرك كل شىء، ولن تصل لكل شىء، ولن ترى كل شىء. فماذا سيفعلون لو لم تأمر أو ترى أو توجه؟ سيظل الحال على ما هو عليه. نحتاج لمسئولين يعملون وفقاً لرؤية وإرادة وتقييم إنجاز، ولو فشلوا فنحن 90 مليوناً فدعك من أهل الثقة وابحث عن أهل الكفاءة.