يؤكد كل المسئولين أهمية المجتمع المدنى، خاصة المنظمات الحقوقية، فى بناء الديمقراطية والانتقال إلى عصر الحريات الذى كان المطلب الرئيسى للثورة، لكن المواقف تؤكد العمل الجاد للقضاء على الجمعيات التى تعمل لدعم ونشر ثقافة حقوق الإنسان بكل تخصصاتها، سواء مناهضة التعذيب، حرية الإعلام، حقوق المرأة، حقوق الطفل، وغيرها من المجالات، وذلك بدءا من مؤسسة الرئاسة إلى الحكومة؛ ففى اجتماع عقده رئيس الجمهورية الأسبوع الماضى مع منظمات ما قيل عنهم «المجتمع المدنى» تم استثناء الجمعيات الحقوقية من المشاركة، كما تكرر فى الاجتماع المشترك لمجموعة العمل المصرية - الأوروبية؛ فبعد أن تم توجيه الدعوات لمجموعة من منظمات حقوق الإنسان المصرية أُلغيت الدعوات فجأة قبل الاجتماع نتيجة تدخل وزارة الخارجية المصرية ولم تلغ الدعوة للمنظمات الأوروبية والأمريكية والمنظمات المصرية التى تعتبرها «مرغوبة» والتى نعتبرها «صناعة حكومية».
أيضا تعمل وزارة التضامن الاجتماعى على حصار المنظمات الحقوقية، وذلك لشل حركتها وقدرتها على العمل؛ فمنذ أكثر من عام تجاهد المنظمات المسجلة للحصول على موافقات على مشاريعها دون جدوى، فى سياسة واضحة لمعاقبة المنظمات الحقوقية على دورها فى نشر الوعى بأهمية حقوق الإنسان وتغيير المفاهيم لدى المصريين من رعايا يقوم النظام بانتهاك حقوقهم دون رادع إلى مواطنين لهم حقوق ولديهم قدرة على تنظيم أنفسهم وإسقاط النظام، ولأن البديل لم يكن ما يحلم به المصريون أو عملوا من أجله، أصبح الهم الشاغل للنظام الجديد هو القضاء على المنظمات الحقوقية حتى تستتب له الهيمنة، وفى الحقيقة لا يدرك هذا النظام أن الهيمنة على الشعوب مستحيلة دون احترام حقوقها وتقديم حلول واقعية لمشكلاتهم، بعيدا عن التصريحات الوهمية حول الاهتمام بالمواطنين والعمل من أجلهم، وكان أولى بالوزارتين أن تقوما بدور الناصح الأمين لهذا النظام من واقع خبراتهما لا أن تعملا على تطبيق سياسيات الإقصاء والحصار للجمعيات الحقوقية.
وطبعا ممارسات الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور لا تختلف؛ فموقفها المعادى لكل حقوق الإنسان واضح فى باب الحقوق والحريات، وفى مقاومة الإشارة إلى مرجعية المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى صدقت عليها مصر أمر غاية الخطورة.
إن استبعاد منظمات حقوق الإنسان من التشاور حول القضايا الملحة والقرارات السياسية التى تؤثر على حياة وحقوق وحريات المواطنين يجعلنا نقلق حول السياسات الحكومية، خاصة المتعلقة بالديون، وتصريحات الحكوميين حول اهتمامهم بالفقر قبل حقوق الإنسان تنم عن فقر فى التفكير؛ فهناك طريقتان للتعامل مع مشكلة الفقر، الأولى: اعتبار الفقراء «فراخ» فى مزرعة كل ما تحتاجه أن يرمى اليها الطعام، ولا مكان للحديث عن الحقوق أو صداع المنظمات الحقوقية، الطريقة الثانية: اعتبار الفقراء مواطنين من حقوقهم معرفة قواعد الاستدانة والمشاركة فى التخطيط للخروج من الأزمة بشفافية ووجود قواعد محاسبية واضحة حتى لا نتورط فى فاتورة ديون مترتبة على سوء الإدارة قبل أن تكون مترتبة على الفقر.