يقول المثل: «وقت القدر يعمى البصر».. ولست أدرى من هو أعمى القلب والنظر الذى أشار على الرئيس «مرسى» بمـشورة «الإعلان الدستورى»، فقد وضعته فى موقف لا يحسد عليه. وليس من المبالغة القول بأن الرئيس خرج فعلياً من كرسى السلطة فى اللحظة التى صدر فيها هذا الإعلان «الورطة»، سواء أصر «مرسى» عليه أو تراجع عنه وألغاه، وقبل أن تتحول إلى علامة تعجب كبرى، دعنى أشرح لك الأمر.
نفترض أن الرئيس تمسك بالإعلان الذى أصدره، وما يشتمل عليه من بنود، خصوصاً المتعلقة بتحصين قراراته وتحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية، ماذا ستكون النتيجة؟ من المؤكد أن الغضب سوف يزداد فى الشارع الثورى، وسوف تزيد موجات الحنق على الرئيس وجماعة الإخوان، وسيترتب على ذلك أن الأصوات التى تتراوح اليوم بين الهتاف بإلغاء الإعلان، والهتاف بإسقاط النظام، سوف تستقر على هتاف واحد، هو هتاف إسقاط الرئيس والجماعة، وإذا زادت الأمور فسوف يحدث تحول فى الموقف الأمريكى الداعم للرئيس «مرسى»، وعلينا ألا ننسى أن وزارة الخارجية الأمريكية وصفت الإعلان الدستورى عشية الجمعة الماضى بأنه «مثير للقلق»، ومع تضاعف غضب الشارع سوف يتصاعد الموقف الأمريكى، وقد يصل الأمر إلى مرحلة البيع الكامل، كما حدث مع «المخلوع»، وسوف يكون المشهد الختامى لهذا المسلسل الذى رأيناه من قبل فى ثورة يناير، هو أن يترك «مرسى» «الكرسى».
ننتقل إلى الفرض الثانى والذى يدور حول فكرة سحب الرئيس للإعلان الدستورى أو المواد الخاصة بتحصينه وتحصين التأسيسية والشورى.. ماذا ستكون النتيجة؟ من المؤكد أن الذى سيترتب على ذلك هو أن حكم حل التأسيسية والشورى سوف يصدر، وقد ذكر الرئيس مرسى فى خطاب «الاتحادية» أن هذا الحكم جاهز، وسوف تكون الخطوة التالية أن يضطر الرئيس «مرسى» إلى إعادة تشكيلها بصورة توافقية، وسوف يتضمن الدستور الجديد مادة تنص على إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الاستفتاء على نصوصه. نعم انتخابات رئاسة جديدة، وتلك هى المعضلة الرئيسية والنقطة الجوهرية التى خلقت فيما سبق الصراع بين مشايخ الدستورية ومدنييها، ولا يغرنك كل هذا «الرغى» الذى سمعته أو تسمعه حول الشريعة والقضاء وخلافه، لقد قامت اللجنة بإعادة صياغة المسودة عدة مرات واستجابت إلى كل الطلبات، كل ذلك بهدف عدم تضمين الدستور ما ينص على إجراء انتخابات رئاسية بعد الاستفتاء عليه، إذن تراجع الرئيس عن الإعلان «الورطة» سوف يؤدى أيضاً إلى خروجه من السلطة. فى فيلم «بداية ونهاية» مشهد لطيف يسأل فيه ناظر المدرسة التى اشتغل فيها «حسين» -أحد أبطال الرواية- وهما بصدد لعب «الطاولة»: تلعب عادة ولّا محبوس؟ وقبل أن يجيب «حسين» بادره قائلاً: كده مغلوب وكده مغلوب.