القتل بـ«خلطة غش»
.. وذهبت حياتهم وأموالهم «تحت الأنقاض» بسبب غش المهندس
انهيار أسبوعى للعقارات بجميع محافظات الجمهورية، امتد ليشمل انهياراً للكبارى والطرق، آخرها كوبرى سوهاج، الذى انهار بعد أيام من افتتاحه، وسوق لشهادات معتمدة من مهندسين حديثى التخرج بسلامة بنايات بُنيت دون أى إشراف هندسى، علامات جديدة لوصول الفساد إلى فئات تُعتبر الأفضل بين أفراد المجتمع، مافيا الأحياء وإداراتها الهندسية تزداد ضحاياها عن ضحايا أمناء الشرطة، والفاعل فى الجريمتين لا يقل بشاعة وتهوراً وإجراماً عن الآخر، ليكتمل بهم شعار «كلهم فاسدون»، وكأننا فى سباق للدم.
المهندس انهارت بسبب «خلطة الغش».. تلك عبارة نرددها مع كل كارثة تذهب معها أرواح بريئة.. ولأن الضمير غائب ومعه «الرقابة» تبقى الانهيارات على حالها
اعترف المهندس صلاح أبوالفتوح، خبير القطاع العقارى، بوجود فساد كبير بقطاع مهندسى المحليات، مؤكداً أنهم من أهم العناصر التى تسبّبت فى انتشار العشوائيات، سواء فى القاهرة أو المحافظات، فالمهندس هو الذى سمح بالبناء المخالف، وهو الذى وافق على توصيل المرافق إلى هذه البنايات المخالفة، وهو أيضاً الذى قام بإهمال المتابعة على المبانى المخالفة، التى انهار بعضها بسبب الإهمال والغش، حسب قوله.
وأضاف: «هناك مكاتب استشارية فى مناطق جسر السويس وفيصل وغيرهما من المناطق الشعبية تقوم بتوفير الغطاء للمقاولين وعمال البناء من غير المتخصصين بالبناء العشوائى، تحت اسم المكتب، مقابل مبلغ من المال»، متابعاً أنه من المعروف لدى سكان المناطق الشعبية أن أغلب العمارات تُبنى على الطريقة التقليدية، ودون إشراف هندسى، ويكتفى صاحب العقار بوضع لافتة توضح أن المبنى يُشيّد تحت إدارة مكتب هندسى، وهو أمر غير حقيقى بالمرة.
مهندسون: مبانى المناطق الشعبية تنفذ دون مكتب هندسى.. وضعف الأجور وهجرة الكفاءات وراء انتشار «المصائب»
وكشف «أبوالفتوح» أن هناك سوقاً من الممكن الحصول منها على مجموعة من الشهادات المهمة والمؤثرة فى سلامة وأمان المنشآت العقارية، منها: شهادات إشراف على التنفيذ، والإشراف على التنكيس، وتقارير بتحمُّل المنشآت أدوار تعلية، ولتركيب المصاعد.
من جانبه، قال المهندس سيف الدين فرج: إن منظومة المهندسين بها أزمة فى عدم الحصول على حقوقها من الدولة، فى وقت تزداد فيه المسئولية عليهم، مشيراً إلى أن زيادة معدلات الفساد والإهمال ترجع فى الأساس إلى القوانين المنظمة للسوق العقارية، وليس المهندس فقط، معترفاً بأن بعض المهندسين، خصوصاً من العاملين فى المحليات، تسبّبوا فى كوارث بسبب إهمالهم فى الفترة الأخيرة، ويتحمّلون نسبة كبيرة مما وصلت إليه الأحوال فى قطاع العقارات المصرى، خصوصاً داخل كردون المدن.
وأشار إلى ضرورة تعديل قانون البناء ليتضمّن عدم السماح لأى مالك عقار بالبناء دون إشراف مكتب هندسى ذى خبرة و«سابقة أعمال»، لقطع الطريق أمام المقاولين غير الملتزمين باستغلال القوانين والاكتفاء بالحصول على وثيقة صورية من أحد المهندسين حديثى التخرّج بأنه أشرف على البناء، وهو غالباً ما يكون غير حقيقى على أرض الواقع، ويتسبّب فى ما نراه الآن من انهيارات للعقارات المخالفة ووقوع ضحايا أبرياء من السكان.
وأوضح «سيف الدين» أن هناك أزمة تواجه المنظومة الهندسية أيضاً من خلال عمليات الغش فى مواد البناء من المقاولين المنفذين للمشروعات العقارية أو الطرق والكبارى، فهناك الكثير من الشركات تقوم بالغش فى ما يخص اشتراطات البناء، سواء فى أقطار أسياخ الحديد أو نسبة الأسمنت من مواد البناء المستخدم، الأمر الذى يُؤدى إلى بناء عقارات لن تتحمّل عوامل التعرية والزلازل مستقبلاً، والحل يكمن فى تطبيق المعايير الهندسية تطبيقاً حرفياً، دون أى تدخّلات من المقاولين المعنيين بالتنفيذ، وفقاً للشروط التى يضعها المهندسون المتخصصون.
وتُعتبر فضيحة ملف محطة مياه القاهرة الجديدة، التى أحالها الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان والمرافق، إلى المستشار هشام بركات، النائب العام، للوقوف على أسباب التقصير وأخطاء التصميم فى المحطة، من أبرز الملفات التى تسبّب فيها مهندس، مما أدى إلى تأخر التنفيذ 4 سنوات كاملة حتى الآن، وعدم الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التى تم ضخها فيها.
وقال الوزير، إنه قرّر إحالة ملف المحطة الجديدة، التى تصل طاقة المرحلة الأولى لها إلى 500 ألف متر مكعب فى اليوم، بعدما تكرّرت المشكلات الفنية أثناء تجارب التشغيل للمحطة، طوال الشهور الماضية، مما استدعى قيام الوزارة بحل استراتيجى سريع لحل أزمة المياه بالمدينة.
وأضاف الوزير: «بدأ المشروع منذ عام 2007، وكان من المفترض أن ينتهى عام 2010، بطاقة 500 ألف متر مكعب فى اليوم، ومخطط أن تصل طاقة المحطة إلى 2 مليون متر مكعب فى اليوم، إلا أن الشركة المنفّذة لم تلتزم بالموعد المحدّد، بسبب بعض المشكلات المتعلقة بخطوط المواسير، بجانب أخطاء فى التصميم، أدت إلى تأخر التنفيذ». وشدّد وزير الإسكان على أن الوزارة لن تتستر على فساد أو تخاذل فى أىٍّ من مشروعاتها، وأنها ستُحيل أى تجاوز إلى النائب العام فوراً، حفاظاً على المال العام.
ورفض المهندس الاستشارى محمد صلاح، تعميم ظاهرة الفساد على جميع فئة المهندسين. وأكد أن النسبة الأكبر منهم أبعد ما يكونون عن الفساد، لافتاً إلى أن بعض الإدارات الهندسية فى الأحياء هى المسئولة عما وصلت إليه السوق العقارية المصرية وانتشار البناء العشوائى فى جميع المحافظات، وهذا الأمر خاص بوزارة التنمية المحلية وضعف الرقابة على جميع أجهزتها، وليس على الإدارة الهندسية فقط، ولا بد من محاسبة علنية للمهندسين العاملين فى أحياء فيصل والهرم وجسر السويس، وأغلب مناطق الإسكندرية، ليكونوا عبرة لغيرهم ممن أسهموا فى انتشار عدد لا يُحصى من المبانى العشوائية تحت مرأى ومسمع مهندسين مهمتهم الحفاظ على الثروة العقارية المصرية.
وأضاف أنه حتى الآن لم نسمع عن محاسبة جادة لمهندس بأى حى اشتهر بازدياد البناء العشوائى، رغم أن جرائمهم معلنة للجميع ويكفى أن تسير بسيارتك على الطريق الدائرى لتشاهد كماً هائلاً من المبانى العالية التى شُيدت على أراضٍ زراعية، وسُمح لأصحابها بتبوير تلك الأرض والبناء عليها تحت إشراف مهندسى الأحياء مقابل رشاوى، لكن طالما لا توجد هناك محاسبة لمن أسهم فى ما مضى من تجاوزات، فلا تتوقع الأفضل مستقبلاً.
ورأى أن السبب الرئيسى لفساد بعض المهندسين هو ضعف أجور مهندسى الأحياء، الذى فتح الباب أمام الرشوة والمساومات وهجرة الكفاءات الهندسية من العمل فى المحليات، هرباً من المسئولية الهندسية، التى تجعلهم دائماً عُرضة للمساءلة القانونية، كما أن تضارب القوانين والتشريعات الخاصة بالبناء وتعدُّدها، يسهل اختراقها والالتفاف حولها واستغلال ثغراتها.