والمقولة هذه أراها كاملة الانطباق على كلمة رئيس الجمهورية أمام القمة العربية التنموية والاقتصادية والاجتماعية الثالثة، المنعقدة حالياً فى العاصمة السعودية الرياض. تحدث الدكتور مرسى عن التحديات التنموية التى يواجهها العالم العربى، وطالب بضرورة تنشيط التعاون الإقليمى وتحديث نظم التعليم والتطور التكنولوجى والمعرفى لسد الفجوة الكبيرة بين المجتمعات العربية وبين العالم المتقدم وتحقيق التنمية، إلى نهاية الرطانة المعهودة فى كلمات الحكام العرب أمام مؤتمرات القمة.
بالطبع، وعلى الورق وأمام كاميرات القنوات التليفزيونية، تبدو الإشارات إلى التعاون الإقليمى وتحديث التعليم والتطور التكنولوجى صائبة وفى محلها. إلا أن السؤال السياسى المشروع هنا هو هل اتخذ الدكتور مرسى مع
فريقه الرئاسى والحكومى ومنذ أن انتخب رئيساً لمصر خطوات فعلية لدعم التعاون الإقليمى مع الدول العربية، وليس مع دولة عربية واحدة؟ هل طورت حكومة الدكتور مرسى خططاً محددة لتحديث التعليم وللتطور التكنولوجى والمعرفى عبر دعم البحث العلمى؟ هل أعلنت الحكومة عن رؤيتها للتنمية الشاملة والمتوازنة فى مصر؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هى بـ«لا» قاطعة، وفى هذا مصدر فقدان الدكتور مرسى لجوهر عملية التنمية والتحديث والتطور التى تحدث عنها فى الرياض وسبب تحول كلمته، وهو الرئيس المنتخب، إلى رطانة شأنه شأن غيره من حكام العرب.
عندما بدأت الثورات العربية وظهر عزم المواطنات والمواطنين فى أكثر من بلد على بناء نظم حكم ديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية، تمنيت أن يطال التغيير الإيجابى كافة أرجاء المجتمعات العربية وتوقعت أن تسهم التحولات الديمقراطية فى وضع التعاون الإقليمى فى أطر جادة وفعالة.
فالديمقراطية تحتاج، من بين مقومات كثيرة أخرى، لشرعية الإنجاز. والحكام المنتخبون القادمون من صفوف الشعب والمسئولون أمامه يجتهدون باستمرار لتحسين ظروف مواطنيهم المعيشية عبر العدالة الاجتماعية والتنمية، ليس فقط لكى يعاد انتخابهم. ولم يكن فى توقعاتى أو تمنياتى هذه مبالغة، على الأقل نظرياً، فهذا هو صنو النظم الديمقراطية وهذه هى وجهة الحكام المنتخبين من نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا إلى برازيل لولا دا سيلفا.
إلا أن الثورات العربية، وبعد عامين من نقطة البداية فى تونس ومصر، تتعثر وتبتعد عن أهدافها الرئيسية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية.
وفى مصر، ينشغل الرئيس المنتخب بغير التنمية والتحديث والتطور ويفقد تدريجياً الكثير من المصداقية والشرعية فى ظل استمرار تدهور الظروف المعيشية للمصريات والمصريين وتورط الرئيس فى ممارسات سياسية انفرادية تترجم فقط إرادة جماعته وحزبها. لا مفاجأة، إذن، فى أن تأتى كلمة الرئيس أمام القمة العربية فاقدة للمضمون وللجدية. فمن لا يصنع فى بلده وكرئيس منتخب جاء من بين صفوف الشعب، وبعد مضى أكثر من ستة أشهر، بدايات حقيقية للتنمية والتحديث والبحث العلمى بخطط محددة ويدعم التعاون الإقليمى ببناء علاقات الثقة مع الجوار، ليس له أن يتحدث بمصداقية عن هذه الأهداف ويختزل عملاً كلمته إلى رطانة ضقنا بها ذرعاً طوال العقود الماضية.
فاقد الشىء لا يعطيه!