أموال الرب فى سراديب الكهنة
صورة أرشيفية
«الوطن» تفتح الملف الأخطر لمعرفة سبب رفض إخضاعها للجهاز المركزى للمحاسبات
«لماذا يتعجبون من طرح الأمور الكنسية للمناقشة ويستنكرون مواجهة الحقائق ويطالبون بالحفاظ على سرية ما يجرى فى الكنيسة داخل الإطار الأسرى المنغلق؟
حين تتناول الصحف الشئون الكنسية مشكورة فهى لا تقحم نفسها فى إقطاعية خاصة، أو تسبح نحو جزيرة منعزلة فى محيط أو تتخطى أسلاكاً شائكة أو مكهربة محيطة بمنطقة مليئة بالألغام».. بهذه التساؤلات بدأ القس إبراهيم عبدالسيد، مقدمة كتابه «أموال الكنيسة القبطية.. من يدفع؟! ومن يقبض؟!»، الذى صدرت طبعته الأولى فى يونيو 1997 عن دار «ديوان» للنشر، وتوفى بعدها بعامين، لتعاقبه الكنيسة بعدم الصلاة على جثمانه، بعد أن أغلقت أبوابها فى وجه مشيعيه بأمر البابا الراحل شنودة الثالث فى 1999. «الوطن» تفتح الملف الممنوع داخل جدران الكاتدرائية «أموال الكنيسة.. من أين؟ وإلى أين؟»، فى محاولة لفهم هذا الملف الذى تعتبره الكنيسة خطاً أحمر وشأناً خاصاً، ما دفع أتباعها لمهاجمة من يطرق بابه، فيما أعطى مهاجميها والمتشددين مدخلاً لنسج حكايات وصلت إلى حد الأساطير عن تلك الأموال، فى ظل إصرار الكنيسة على رفض إخضاع أموالها بأى طريقة كانت لمراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات. «المال والكهنوت».. محاولة لرسم خريطة توضح كيفية إدارة أموال الكنيسة، وهى قراءة فى ميزانيتها، من واقع الإيرادات والمصروفات والنظام المحاسبى المتبع داخلها، وأموال الأقباط المهدرة والمسروقة عبر نصّابين يرتدون ملابس الكهنوت، وصولاً إلى نظام المحاكمات داخل الكنيسة لرجالها المتورطين فى أى مخالفات مالية، والوضع المالى للكنيسة على مدار 50 عاماً تمثل ثلاثة عهود مختلفة فى حياة الدولة والكنيسة.
فى السطور التالية، لا نتجاهل الدور الاجتماعى والوطنى الذى تلعبه الكنيسة وتسخّر كل إمكانياتها وأموالها لخدمة الوطن فى الداخل والخارج، عبر توجيه أموالها وأموال الأقباط إلى إقامة مئات المدارس والمستشفيات التى تخدم جميع المصريين، فضلاً عن المشروعات التنموية والخدمية فى مختلف دول العالم، خاصة أفريقيا، فى إطار الدبلوماسية الشعبية، لتمثل الكنيسة بذلك قوة ناعمة داعمة للدولة المصرية فى الخارج، وهو ما ظهر بوضوح عقب ثورة 30 يونيو.
نقلنا ما يدور حول أموال الكنيسة واتهامات الاستيلاء على أموال الأقباط وإهدارها فى سفريات الأساقفة الخارجية تحت بند الزيارات الرعوية والعلاجية، وركوب عدد من الكهنة أفخم السيارات، وتحول الكهنوت إلى وسيلة للثراء يسعى بعض الكهنة لتوريثها، فضلاً عن نشر إعلانات التهانى الكنسية فى الصحف بأموال الأقباط بالمخالفة لما دعا إليه البابا تواضروس.
وفى الوقت الذى أعلن فيه القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة، عن سعيها بنهاية هذا العام لوضع نظام جديد لخدمة فقراء الأقباط لن يجعل بينهم محتاجاً، كانت النيابة تحقق فى سرقة خزينة كنيسة العذراء بشبرا، على يد قبطى يدعى بيتر منير أنطون (26 سنة)، استغل عُرساً بالكنيسة للاندساس وسط المدعوين واستولى على 60305 جنيهات و700 دولار كندى. وأرجع السرقة لاحتياجه، وسبقه عشرات الحالات التى انتهت بسبب الفقر إلى السرقة أو الانتحار، منهم أشرف صابر صليب (38 عاماً)، هذا الشاب الذى هزت قصة انتحاره شنقاً بالمجاورة 40، فى منطقة العاشر من رمضان، الرأى العام، بسبب ما قيل عن مروره بأزمة مالية لجأ فيها لكنيسة الأنبا مقار تارة، واستجداء عطف الجيران والأصدقاء تارة أخرى، دون جدوى، قبل أن تنفى الكنيسة أن يكون لجأ إليها ورفضت، مرجعةً الوفاة لأسباب جنائية، وقبله فرج رزق فرج صاحب الـ48 عاماً، الذى وُجد معلقاً على إحدى اللوحات المعدنية على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى، بعد أن مر أيضاً بأزمة مالية وعجزه عن تلبية طلبات أسرته وأولاده المدرسية فصنع مشنقة وعلق جسده حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
وتعد حالة الطفل عبدالمسيح عزت عزيز، صاحب الأعوام التسعة، أشد حالات الفقر قسوة بعد أن حُبس لمدة عام فى سرقة 5 أرغفة من مخبز بجوار منزله بمركز الفشن فى بنى سويف.
نتلمس فى هذا الملف النظام المؤسسى الذى حاول البابا تواضروس إرساءه داخل الكنيسة منذ جلوسه على السدة المرقسية فى نوفمبر 2012، وسعيه لإصدار العديد من اللوائح التنظيمية لأمور الكنيسة عبر المجمع المقدس، ليحكم العمل الجماعى مقاليد الأمور المالية والإدارية داخلها دون تركها للأهواء.