بُح صوتنا فى مقالات جريدة «الوطن» ننادى بإنشاء هيئات ثلاث جديدة فى مصر لوقف التهريج الإدارى الذى يتم تعامل الحكومة فيه مع ظاهرة المناخ، والأزمات والكوارث الطبيعية الناجمة عنها، وحماية التنوع البيولوجى، ولذلك طالبنا مراراً وتكراراً بإنشاء هيئة قومية تنفيذية لإدارة الأزمات والكوارث (نموذج الإمارات العربية وأكثر من 72 دولة فى العالم) للتعامل مع أكبر أثر لتغير المناخ وهو ظاهرة تسونامى وما يوازيها من سيول وأعاصير (وليس لجنة بمركز معلومات مجلس الوزراء كما هو حالياً) بالإضافة إلى هيئة قومية لتغير المناخ (وليس مجلساً تنسيقياً يجتمع حسب المزاج، كما هو الوضع حالياً) ثم الهيئة القومية لحماية الطبيعة (وليس لبيع المحميات) ولتكتمل بذلك منظومة التعامل مع الموارد الطبيعية حماية من التدهور، والتكيف مع التغير، واستعداداً للمتغير فى الكوارث.
ولقد طالبنا منذ عشرين عاماً بعد أن ذاق العالم مرارة جفاف أفريقيا أن يكون هناك برنامج دولى لإدارة الأزمات والكوارث، واستجابت الأمم المتحدة لذلك بعد عدة مؤتمرات مهمة، رأسها أ.د محمد القصاص، أ.د مصطفى كمال طلبة، وحضرتها أنا وزميلى د.عماد عدلى فى عدة دول أوروبية وعربية.
وقد استجابت الأمم المتحدة منذ 12 عاماً وأنشأت السكرتارية الدولية لإدارة الأزمات والكوارث، ومن سخريات القدر أنها اختارت القاهرة مقراً للمكتب الإقليمى للسكرتارية الدولية لإدارة الأزمات والكوارث، وتم تنظيم عدة أنشطة عربية فى الجامعة العربية فصدرت عنها «الاستراتيجية العربية لإدارة الأزمات والكوارث» وأنشأت وحدة بمركز معلومات مجلس الوزراء (غرفتين فى أحد الأدوار) لتمثل مصر مع السكرتارية الدولية (واختفى دورها تماماً بعد أن تركها المرحوم أ.د. محمد فوزى، خبير إدارة الأزمات والكوارث، وأصبح منصبها أحد مناصب المجاملات التى تعود عليها الجهاز الإدارى للدولة، ولو أن العميد عبدالعزيز، ممثل وزارة الدفاع تولى أمرها لكان لها شأن آخر، وقد شهدت هذه الوحدة نشاطاً كثيفاً أيام رئاسة د. ماجد عثمان لمركز معلومات مجلس الوزراء، وبعدها دخلت فى سبات عميق هى ومركز المعلومات نفسه.
وقد أصدر العالم إعلان هيوجو للأزمات والكوارث الطبيعية منذ 9 سنوات ثم إعلان سينداى فى اليابان العام الماضى والتزمت مصر به «على الورق فقط»، حيث لا توجد جهة تنفيذية مسئولة عن الأزمات والكوارث والموازنة مخصصة لها، ولا جهاز إدارى لها سوى 3 جهات للأمانة العلمية - جهاز الأزمات والكوارث بالقوات المسلحة، والدفاع المدنى بالداخلية وهيئة حماية الشواطئ وتمويلها أقل من ربع المطلوب لمواجهة نحر الشواطئ.
وعليه فلا يلوم أحد فى الحكومات السابقة والحالية إلا نفسه، أنها نفس الظاهرة البيروقراطية العقيمة حينما تتحدث مع مسئول عن تغير المناخ، وأضرار الفحم، وحرق البترول والتلوث، والقمامة، يقول لك كلمنى عن رغيف العيش، وكيلو السكر.
كما حدث بينى وبين مسئولين عديدين، وأنا أعذرهم.
إن المشاكل الطارئة تقضى على المستقبل، ولكن الكوارث تأتى لتبتلع كل إنجازات الحاضر من طرق ومحطات وزراعات ومساكن، فالسيول الأخيرة برأس غارب وسيول البحيرة وكفر الشيخ العام الماضى فقدت مصر فيها ما يقارب من 15 ألف فدان مرة واحدة.
إذن، أنت أمام قرارين، إما احترام العلم وتنفيذ تدابير الاستعداد والسبق والتحرك السريع الجاهز مع الحادثة أو النوم فى العسل حتى تأتى الكارثة، فلا يلومن أحد إلا نفسه.
الغريب أن الحكومة فى سيول البحيرة وكفر الشيخ والإسكندرية لم تتقدم لطلب منحة من الصندوق الأخضر العالمى لتغير المناخ، لمساعدة مصر فى دفع ثمن تقدم الدول الكبرى التى تسببت فى الظاهرة.
وهى مرة أخرى لم تتقدم بطلب حالياً لهذا الصندوق أو لغيره لطلب منحة تصليح الأضرار كى تجرى الاستعدادات لما هو مقبل وأسوأ، وهذا يشكل علامة استفهام كبرى حول غياب الرؤية بعد أن غاب الرأى العلمى عن القرار السياسى.
وأعود وأكرر أن العلم وليس الفهلوة، ولا التصريحات الوردية للإعلام المحلى أنه «كله تمام» هو الذى ينقذ مصر من آثار الكوارث الطبيعية، وأن تغير المناخ أصبح ضيفاً دائماً على مصر وأصبحت مصر ضمن حزام المناطق المهددة بأعراض آثار تغير المناخ ولم نتعظ من السيول السابقة، أو إعصار جمصة الذى جعل النهار ليلاً فى عز الظهر منذ عامين فقط، وتسبب فى 38 مليون جنيه أضراراً فى 25 دقيقة فقط، ولم نتعظ من ثلوج القاهرة الجديدة، ولا سيول البحر الأحمر التى أزاحت شاليهات القرى السياحية، ولم نتعظ من الإعصار البنى فى عمان، ولا اليمن، ولا سيول جدة فى السعودية.
فهل أكرر ندائى من صفحات جريدة الوطن للمرة العاشرة وهذه المرة للسيد رئيس الجمهورية نفسه، بعد أن فقدنا الثقة فى وزراء هذه الحكومة أن يتحلوا بالأمانة العلمية وعدم الجرى وراء مصالح وقتية أو شو سياسى، فلم أفهم حتى الآن كيف تحضر مصر مؤتمر باريس، ثم ستحضر مؤتمر مراكش بالمغرب لتغير المناخ ولا تقدم ورقة عمل حول الكوارث الطبيعية فى أفريقيا من جفاف الثمانينات إلى سيول القرن 21، ولا حجم الآثار السيئة لتغير المناخ التى ضربت الدلتا، بزحف مياه البحر ونحر الشواطئ، والصحراء بالجفاف والكثبان الرملية.
وختاماً حفظ الله مصر.