الشك وارد فى المقولة العمرية: «رضيه رسول الله خليفة له فى دينه.. أفلا نرضاه خليفة له فى دنياه؟»، التى قالها «عمر» وهو يقدم أبا بكر الصديق للحكم، بل وربما تزيّدها المؤرخون بهدف تبرير خلافة «الصديق» وتغطيتها بغطاء دينى. والأرجح أن الحجّة التى حسمت أمر الخلاف على من يلى أمر المسلمين بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، هى تلك التى ساقها أبوبكر الصديق عندما قال للأنصار: «إن العرب لن تخضع إلا لهذا الحى من قريش».
ومؤكد أن هذا الاحتجاج هو احتجاج سياسى فى المقام الأول، وليس احتجاجاً دينياً، وحتى لو قيل إن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال «الأئمة من قريش»، فإنه لا يصح النظر إلى الأمر على أن هذا التوجيه من الدين، بل هو شأن من شئون الدنيا؛ فقد كان النبى، صلى الله عليه وسلم، يعلم طمع قريش فى الحكم وزعامة العرب، وكان يستوعب -من ناحية أخرى- أنهم الأقدر على النهوض بهذا العبء؛ لأن فيهم رجال الحرب ورجال السياسة ورجال الاقتصاد، وأنهم أهل دنيا أكثر من غيرهم من المسلمين، مثل جماعة الأنصار الذين سمع رسول الله، بعد إفراطه العطاء من غنائم غزوة «هوازن» لقريش، قول بعضهم: «يغفر الله لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعطى قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم»، فجمع النبى، صلى الله عليه وسلم، الأنصار وحدهم -دون حضور أحد من قريش- وقال لهم: «إنى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبى، صلى الله عليه وسلم، إلى رحالكم؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به». قالوا: «يا رسول الله قد رضينا».
إذن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان قادراً على التعرف على قدرات صحابته؛ فمع إيمانهم العميق برسالته، إلا أنه قدّر، صلى الله عليه وسلم، أن الدين شىء وأمور الدنيا شىء آخر وأن أمر الدنيا لا بد أن يُسند إلى الأكثر أهلية وكفاءة للنهوض به، وإلا خربت الدنيا. من هذا المنطلق أدار الصحابة أمور وصراعات الحكم من منظور سياسى بحت، بل ورفعوا السيوف فى وجوه بعضهم البعض من أجل الصراع على الدنيا، ولم يجرؤ أى منهم على إقحام الدين فى الأمر، وكانوا فى نهاية كل معركة على الدنيا يصلّون معاً على قتلاهم من الطرفين. ولم يتردد أحدهم، وهو معاوية بن أبى سفيان، فى أن يقول: «لقد أردنا الدنيا وتمرغنا فيها ظهراً لبطن». هكذا فرّق أبرز سياسى فى تاريخ الدولة العربية بين الدين والدولة، ولم يذهب مذهب الإخوان الذين قال كبيرهم «الإسلام.. دين ودولة»، فلم يتورع أتباعه عن توظيف الدين فى صراعات الدنيا، بصورة أساءت إلى الدين، وأضرت بالدنيا!
أخبار متعلقةالإسلام دين وليس دولة (4)الإسلام دين وليس دولة (3)الإسلام دين وليس دولة (2)الإسلام دين وليس دولة (1)