لا يستوعب الكثير من المروجين لعبارة «الإسلام دين ودولة» خطورة ما يروجون له، حين يراجع أى إنسان بسيط درجة التزام جماعة الإخوان بأخلاقيات وقيم الإسلام فى أسلوب إدارتها للحكم. فالجماعة لم تقدم فقط نموذجاً فاشلاً لأسلوب إدارة الدولة، بل ظهر منذ اللحظة الأولى لصعودها إلى سدة الحكم أنها قررت أن تنحّى جانباً العديد من قيم الدين، مثل: الصدق واحترام العهود، وعدم خلف الوعد، وعدم استحلال دماء وأعراض الناس، واحترام الآخر الدينى. فقد وضعوا هذه القيم على أرفف ذاكرتهم الثمانينية التى يبدو أنها أصيبت بداء الزهايمر، وانطلقوا يمارسون السياسة بدرجة عالية من الميكيافلية التى ترفع شعار: «الغاية تبرر الوسيلة»، فقفزوا على قيم الدين وتعاليمه، فى سبيل السيطرة على السلطة، بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية، ومع كل انحراف عن قيم الدين فى إدارة الدولة، كانت الجماعة تهد فكرة أن «الإسلام دين ودولة» هداً، وتفقدها معناها، وتؤكد أنها ليست أكثر من فكرة نظرية يمكن أن تحتويها بطون الكتب، لكن الواقع يلفظها. ومن عجب أن تتهاوى الفكرة على أيدى أصحاب براءة اختراعها. وهى جماعة الإخوان نفسها.
وقد يكون السر فى ذلك أن الجماعة تتعامل مع الإسلام كمجموعة من الشعارات، وليس من واقع فهم حقيقى سواء للنص القرآنى، أو لتجربة إقامة الدولة العربية، بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم. فالنص القرآنى يشير إلى الشورى كأساس لسياسة أمور الدنيا، وقد أتفق فى هذا السياق مع ما يذهب إليه البعض من أن القرآن الكريم يمكن أن يكون قد وضع من خلال هذا المبدأ إطاراً لصناعة القرار بين أية مجموعة بشرية، لكن القرآن بحال لم يقدم أية إشارات إجرائية لكيفية تطبيق هذا المبدأ، والأكثر من ذلك أنه جعل تلك الأمور الإجرائية شأناً من شئون الدنيا، وليس شأناً من شئون الدين، فنسب الشورى بصورة كاملة إلى الجماعة البشرية المؤمنة فى الأساس. فالآية الكريمة التى وردت فى سورة الشورى -وتسمية السورة بـ«الشورى» أمر له دلالته- تقول: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» (سورة الشورى - الآية 38). فمفردة «أمرهم» واضحة الدلالة على إحالة الأمر برمته إلى الجماعة البشرية المؤمنة، ويتساند مع ذلك أن أمر الشورى، وإطلاق يد البشر فى صناعة القرار، بالتوافق فيما بينهم، تم حتى فى الحالات التى شهدت نزول الوحى على النبى صلى الله عليه وسلم، وليس أدل على ذلك من التوجيه الربانى للنبى صلى الله عليه وسلم «وشاورهم فى الأمر» (سورة آل عمران - الآية 159)، فالوحى يتصل بأمور الدين، أما أمور الدنيا فمرتبطة بالاجتهاد البشرى، وإلا ألصقت أخطاء الأداء البشرى -وهى واردة فى كل الأحوال- بالدين، وذلك مكمن الخطر.
أخبار متعلقةالإسلام دين وليس دولة (1)