ذكرتنى فتوى الدكتور عبدالرحمن البر، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، بتحريم تهنئة المسلمين للأقباط فى عيد القيامة بموقف مؤثر مررت به عندما كنت أدرس الماجستير بجامعة «ساسكس» ببريطانيا. فقد ألم رحيل مفاجئ بأحد جيرانى الكوريين مما أصاب الطلاب جميعاً بالحزن. ظللت أسأل رفاقه عما يمكن القيام به، فقالوا لى إن الطقوس التى تعقب وفاته، التى تتضمن حرق جثته، لا يشارك فيها سوى أقاربه. بعد أيام حضر والده إلى الجامعة، ووضع صندوقاً صغيراً به بعض من رماد جسد الزميل الراحل إلى جوار صورته، وذهبنا جميعاً لتقديم العزاء له، ووجدت نفسى أمام ذلك الصندوق الذى فيه بقية من زميل جمعتنى به علاقة طيبة، ولم أملك سوى أن أدعو له بالمغفرة، مردداً صلاة مسيحية فى نفسى، ولم أفكر أو يدر بخلدى أنه يخالفنى فى المعتقد الدينى، فهذه المسألة مردها عند الله الذى يعرف ما فى القلوب والأفهام.
لم أفكر يوماً فى عيدى الفطر والأضحى هل أهنئ أحبائى وأصدقائى المسلمين، ولم أسع لطلب رأى دينى فى ذلك، لأننى أعرف جيداً أن المحبة للإنسان -أياً كان- تتقدم على كل شىء فى المسيحية، فما بالك أن يكون من أهنئه بالعيد صديقاً وجاراً، ورفيقاً وزميلاً، وبعضهم يشاركنى فى أضحيته. وعندما دعانى صديق من الإخوان المسلمين إلى عقد قرانه فى قاعة ملحقة بمسجد، ووجدت الحاضرين يدعون له بالبركة، شاركتهم فى الدعاء له، ولم أعتقد أن ذلك يخالف عقيدتى ولم أفكر فى أن يكون اتفاق عقيدته مع معتقدى شرطاً للدعاء له. ومن الطريف أن العالم الأزهرى الجليل الشيخ حسن الشافعى، رئيس مجمع اللغة العربية، ذكر لى يوماً أنه فى شبابه كان يحمل فى عيد الأضحى ثلث الأضحية على دابة إلى صديق والده المسيحى. ابتسمت وقلت له: إننى وريثه الشرعى، فقال: إنه كان يعطينا أكثر مما نعطيه، فأجبته مازحاً: يبدو أننى أخطأت فى الأسماء، وليس لى صلة قرابة به.
إننى أربأ بالدكتور عبدالرحمن البر أن يكون طرفاً فى نقاش عقيم، ينخرط فيه أمراء الإثارة والفرز الدينى، يتحدثون عن تحريم تهنئة غير المسلم بعيده، فلم يطلب أحد منهم التهنئة، وليست النفس السوية من تفكر مرتين قبل أن تنطق شفتاها بعبارات اللطف والمودة للآخرين.
ليس من يهنئ شخصاً بعيده، أياً كان، يلزم أن يشاركه معتقده، فقط يشاركه إنسانيته، كما قال مفتى الديار المصرية. هذه هى الروح المصرية التى تربيت عليها، وعرفتها قبل أن ارتطم بآراء وفتاوى أعرف أنها تصدم المسلمين قبل الأقباط لأنهم لم يتعودوا عليها من قبل، وبدا لى هذا العام أنهم أكثر حرصاً على التحدى كلما استفز أحد روحهم المصرية، فقد بدأت التهانى مبكرة، والغرض واضح «لا لتغيير روح مصر».