فى الكاتدرائية المرقسية صفق الحضور ليلة عيد القيامة لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الإسلام وعالم الدين الجليل.. فعلوا هذا وهم يستقبلون عيدا عظيما فى المسيحية، وهناك من أفتى بعدم جواز تهنئة المسلمين للمسيحيين فى هذه المناسبة، إلا أن الأقباط ألقوا كل ذلك خلف ظهورهم، وقرروا أن يصفقوا لإمام المسلمين الأكبر فى هذه الليلة، فى مفارقة تحمل دلالات بالغة الأهمية، تتجاوز التعصب والطائفية.
الدلالة الأولى: أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بعد ثورة 25 يناير وإلى الآن فتح أبواب الأزهر لكل أطياف المجتمع المصرى فى محاولة منه لجمع أشلاء المجتمع قبل أن ينفرط عقده، جعل المسيحيين يشعرون أن مشيخة الأزهر مكانهم، مثلما هى مكان المسلمين، وأن الأزهر ليس مسجدا وجامعة للمسلمين بل هو مؤسسة حامية للأمة المصرية بكل أطيافها.
الدلالة الثانية: أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يقف فى خط المواجهة الأمامى، ليس دفاعا عن كرسيه الذى أعلن مرارا وتكرارا أنه زاهد فيه، ولكن تقديرا لجهوده للذود عن الأمة المصرية، الفقه الوسطى، التجربة الحضارية الفريدة، التعددية الدينية، ورفض الغلو والطائفية وتقسيم الأوطان على أساس الدين.
الدلالة الثالثة: أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يعرف أن الأزهر والكنيسة هما صمام أمان لهذا البلد الذى يتعرض لمحاولات إعادة تشكيل هويته، وتعصف به مخاطر اقتصادية واجتماعية، وتتقاذف به الأنواء السياسية. يدرك أن مؤسسات الوطن الحقيقية من أزهر وكنيسة وقضاء وجيش هى التى تحافظ على كيان الدولة المصرية، التى يستيقظ المصريون كل يوم بحثا عنها.
هذا هو شيخ الأزهر الذى يصفق له الأقباط والمسلمون، يعرف قدر نفسه ومؤسسته، ويعرف العالم قدره، ويجل مقامه، وفى زيارته الأخيرة للإمارات ومن قبلها السعودية ما يكفى ويزيد من إشادة وتقدير. الدكتور أحمد الطيب، الذى كان موضع تقدير فى احتفال مسيحى، ابن المراشدة فى دشنا من أسرة ينتهى نسبها إلى الإمام الحسن بن على بن أبى طالب، بسيط، متواضع، مثقف، يحمل فى وجدانه الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعية، ويرنو ببصره إلى الدولة المتقدمة الحديثة، التى لا يتعارض فيها الدين مع التقدم، ولا يقف فيها الناس عند شكل التدين الذى لا يصنع نهضة حضارية. إمام عصرى، ينحدر من أسرة صوفية عريقة، وهو شيخ الطريقة الأحمدية الخلوتية خلفا لوالده مؤسس الطريقة بأسوان.
وبالتالى لم يكن مفاجئا أن يصفق له الأقباط لأنه عنوان الدولة العصرية التى يريدونها، الدولة التى تعرف صحيح الإسلام وتقدر التنوع وتحتفى بالتجربة الحضارية التى جمعت فى رحابها المسلمين والمسيحيين، وينظر إلى أن مصر لن تستقيم إلا إذا استقامت المواطنة الحقيقية بها، ولن تتقدم إلا إذا تبنت تفسيرا عصريا للدين لا يعرف تنطعا أو تخلفا أو مغازلات انتخابية على حساب الوطن.