الحكم والمعارضة لديهما الآن مصلحة مشتركة فى الهدوء، مهما غلّف العناد الظاهر مواقف الطرفين. وجاءت تصريحات وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى، لتؤكد أن الحل على المدى المنظور هو توافق الطرفين، ولا يوجد مجال متاح حالياً سوى «الانتخابات» للتغيير السياسى.
من ناحية أولى يواجه الحكم أزمة القاعدة الشعبية التى تتآكل يوماً بعد يوم، وتزايد مساحات الغضب الشعبى على أدائه، وحملة «تمرد» -رغم أنها لن تفضى فى النهاية عن تحدٍّ قانونى لبقائه- إلا أنها تمثل عاملاً ضاغطاً داخلياً وخارجياً، فضلاً عن أن اللجوء إلى سياسات اقتصادية تقشُّفية، وهو أمر لا مهرب منه، يحتاج إلى هدوء سياسى نسبى، وعلاقات متوازنة مع قوى المعارضة حتى يمكن امتصاص الغضب الشعبى الذى يرافق عادة هذه السياسات بما تعنيه من ارتفاع فى الأسعار. يبدو أن التغيير الحكومى الأسبوع الماضى لم يُسهم فى رفع أسهم الحكم محلياً وخارجياً، إذ لم يؤدِ تغيير عدد من الوزراء إلى تحسين مزاج الشارع الحاد والغاضب، فضلاً عن أن الأطراف الدولية، وبالأخص الاتحاد الأوروبى، يستشعر بأن التغيير الحكومى لم يأتِ بنتائجه، خصوصاً أنه كان الطرف الذى بذل جهوداً بين الحكم والمعارضة فى هذا المجال.
من ناحية ثانية تواجه المعارضة أزمة تراجع الحضور على مستوى الشارع، وبمرور الوقت تفقد التأثير سياسياً، بحيث أصبحت عملياً خارج المؤسسات السياسية، باستثناء حضور محدود فى مجلس الشورى. الرهان على التغيير الدرامى للمشهد السياسى عن طريق ثورة شعبية أو تدخُّل الجيش لم يعد مطروحاً الآن، واللعب على أوتار الغضب الشعبى من النظام لم يعد مؤثراً، خصوصاً فى ضوء النفس القصير الذى يجعل الناس تنصرف عن السياسة فى إحباط ويأس أكثر من الانخراط بفاعلية فى صفوف المعارضة. واللافت أن الأطراف الدولية، رغم أنها تنتقد أداء الحكم، وتستشعر أزمته، فإنها ترى أن المعارضة متخبّطة، تعانى هى الأخرى من مشكلات أساسية. والحديث عن مقاطعة الانتخابات يزيد من إضعاف المعارضة، لأنه يعنى ببساطة مزيداً من التهميش، طالما أن العزوف عن خوض الانتخابات لن ترافقه مقاطعة شعبية لها، بحيث تفقد مؤسسة البرلمان شرعيتها شعبياً وسياسياً. الحل يكمن فى المشاركة فى الانتخابات، ووضع برنامج سياسى واقتصادى يروق لجماهير محتقنة تبحث عن البديل.
إذن كلاهما يحتاج إلى أن يجلس على مائدة الحوار مهما طال التباعد، والتلاسن، والاشتباكات. فى تقديرى لن يكون الحل باستدعاء صيغة «الحوار الوطنى» لأنها لم تعد مجدية، ولكن باللجوء إلى صيغة أخرى يكون فيها الحوار بين الأحزاب السياسية بعيداً عن مؤسسة الرئاسة، ومن خلال الحوار يمكن الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية، أجندة العمل فى الشهور المقبلة، ضمانات نزاهة الانتخابات، تنظيم الحركة فى المجال العام، وتشكيل المؤسسات السياسية على أسس من التفاهم.