مساعد وزير الداخلية الأسبق للأموال العامة: القانون الحالى يكفى.. والتطبيق يحتاج إعادة نظر
اللواء فاروق المقرحى
قال اللواء فاروق المقرحى، مساعد وزير الداخلية الأسبق للأموال العامة، فى حواره لـ«الوطن» إن الفساد مرض يصيب الموظف وإن ما يتقاضاه الموظف من راتب سواء كبر أو صغر لا علاقة له بالفساد، لأن الموظف الفاسد لن يرجع عن الفساد حتى إذا تقاضى ملايين الجنيهات، وأضاف أن الفساد يوجد من يحميه ويحمى المسئولين الفاسدين حتى يسهلوا لهم تنفيذ أغراضهم، وأكد مساعد الوزير أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه الإرادة الحقيقية لمحاربة الفساد ولا بد للأجهزة الرقابية أن تساعده فى تحقيق ذلك.
■ انتشر الفساد فى مصر بكافة مؤسسات الدولة وهذا ما أكدته القضايا التى ضُبطت بمعرفة الرقابة الإدارية، فما أسباب تفشى تلك الظاهرة؟
- من خلال دراستى 27 سنة فى هذا المجال توصلت إلى أن أسباب الفساد ترجع إلى المواطن والموظف، مواطن يريد أن يحصل على ما ليس حقه أو الحصول على حقة بطريقة سريعة عاجلة، وموظف إما مريض بداء الرشوة أو إغراء من المواطن يزين له الفساد، وبالنسبة لفساد الموظف لا علاقة له بالمرتب الذى يتقاضاه أو ظروفه الاجتماعية التى يعيشها، حيث إن الرشوة داء أو «مرض»، والدليل على ذلك تجد كبار المسئولين الذين يتقاضون ملايين ويمتلكون أيضاً الملايين ومع ذلك تجدهم فى السجون فى قضايا رشوة، وعلى العكس فقد تجد موظفاً محدود الدخل ويعيش فى شقة بالإيجار ولا يمتلك سيارة وتأتى تحريات الأجهزة الرقابية بأنه موظف غير فاسد، على الرغم من أنه فى وظيفة تسمح له بتقاضى الرشاوى وبالملايين ولكنه لا يفعل ذلك لأنه غير مريض بداء الرشوة، بالإضافة لأنه لا يسمح للمواطن أن يعرض عليه رشوة من أسلوبه فى التعامل المشهود له بنظافة اليد.
■ عند سماع تعبير «الفساد» دائماً نتذكر «الرشوة»، فما أنواع الفساد بخلاف الرشوة من وجهة نظركم كمتخصص فى هذا النوع من القضايا؟
- للفساد أنواع كثيرة، ولكن الرشوة جريمة أساسية لأنها تعتبر جريمة مباشرة ويضبط صاحبها متلبساً وقت ارتكاب الجريمة، أما الأنواع الأخرى فلا يضبط المتهم متلبساً وقت ارتكاب الواقعة، حيث يتم التعامل مع المستندات والتحريات ثم يأتى فى النهاية ضبط المتهم، ومنها جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام، بمعنى عندما يسهل الموظف للمواطن الاستيلاء على المال العام ومنها على سبيل المثال ما يحدث فى شركات المياه ومنها شركة مياه البحيرة والكهرباء أيضاً، وهى عندما يسمح الموظف للمواطن بدخول المياه للبرج الـ17 طابقاً بـ10 جنيهات، وعندما يتم اكتشاف عملية الاستيلاء يقوم صاحب البرج بالتصالح مع شركة المياه ودفع تكاليف دخول المياه، وهنا يتم تكريم الموظف وإعطاؤه نسبة على المبلغ، على الرغم من أنه موظف فاسد، وكذلك جريمة الرشوة الجنسية عندما يجبر الموظف سيدة على ممارسة الرزيلة معها لإنهاء مصالحها، وجريمة الإخلال العام فى توزيع السلع، والمثال على ذلك عندما يطلب عضو مجلس النواب من وزارة التموين على سبيل المثال سيارة محملة بالسكر لتوزيعه على أهل دائرته، وبعد الحصول عليها يقوم بتوزيعها على أفراد عائلته وكل من قام بالتصويت له، هذه جريمة فساد ولا بد من العقاب، وجريمة الاستيلاء على المال العام مثل الاختلاس وغيره، حيث يقوم الموظف بالاستيلاء على المال العام المعين عليه لحمايته لنفسه، وجريمة الإهمال العمدى، على سبيل المثال عدم صيانة المعدة أو المبنى يعتبر قضية فساد، لأنه ألحق بالمعدة أو المبنى الضرر، ومن قضايا الفساد أيضاً جريمة التزوير فى المستندات الرسمية، وجريمة التربح.
«المقرحى»: «السيسى» جاد فى محاربة الفساد.. والموظف الفاسد لن يرجع عن نشاطه حتى لو تقاضى ملايين الجنيهات
■ هل القانون الحالى كاف لمحاربة الفساد أم أنه فى حاجة إلى تعديلات؟
- القانون كاف وبه مواد لكل قضايا الفساد سواء الكبيرة أو الصغيرة، أى بداية من الرشوة وحتى الإخلال العام فى توزيع السلع، لكن تطبيق القانون يجب أن يعاد النظر فيه مرة أخرى، حيث فى القضايا من حق القاضى أن ينزل بالحكم درجتين نظراً لظروف المتهم الصحية أو لظروف أسرته الاجتماعية، حيث يتم الحكم عليه بالسجن بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة، حيث إن عقوبة الرشوة الأشغال الشاقة المؤبدة، أى السجن مدى الحياة، والدرجة التى تليها فى الحكم الأشغال الشاقة المؤقتة «أى 15 سنة سجن» والدرجة التى تليها الحكم بالسجن «أى 10 سنوات سجن فأقل» فتجد حالياً بعد النزول فى قضايا الرشوة درجتين يحكم على المتهم بالسجن 7 سنوات أقصى حكم أو أقل ويخرج بعد نصف المدة بسبب حسن السير والسلوك واعتبارات خاصة بقانون السجون، هنا يصبح القانون بالنسبة للموظف الفاسد غير رادع لأنه يحسبها 3 سنوات سجن مقابل عدة ملايين، إذن هو كسبان وعملية بالفعل تحتاج المغامرة منه، لكن إذا وجد أن القانون يطبق بحسم وسوف يقضى حياته كاملة خلف الأسوار فلن يفكر فى الرشوة، وبالإضافة إلى أنه توجد مادة واحدة فقط يجب إعادة النظر فيها مرة أخرى وهى المادة 107 مكرر، الخاصة بقضايا الرشوة، حيث إن هذه المادة أعفت الراشى والوسيط من عقوبة الرشوة فى حالة الاعتراف على الموظف المرتشى ولم يتم تحديد التوقيت، وهو ما جعل الفاسدين يقبلون على الرشاوى بقلب جامد لأن الراشى والوسيط ضمنا أنهما فى حالة القبض عليهما سوف يخرجان فور الاعتراف على الموظف المرتشى، وهذه المادة لا بد من تعديلها لأنه ساعدت على انتشار الفساد بشكل كبير، ويجب تعديلها لتصبح أن يتم إعفاء الراشى والوسيط من عقوبة الرشوة فى حالة الإبلاغ عن الرشوة قبل كشف الأجهزة الأمنية لها والقبض عليهما، لأنه بالمادة التى تطبق حالياً إذا لم يتم القبض عليهما سوف تمر الجريمة مرور الكرام وسوف يخرج المتهمان ويمارسان نشاطهما مرة أخرى، وعلى سبيل المثال قضية وزير الزراعة، حيث بعد القبض عليهم جميعاً اعترف الراشى والوسيط على الوزير المرتشى وتم إعفاؤها من العقوبة بناء على المادة 107 مكرر، وبالرجوع إلى الوراء تبين أن الوسيط كان قد قضى عقوبة قبل ذلك فى قضية رشوة مماثلة واعتاد على ارتكاب مثل هذه القضايا.
■ ما أشهر قضايا الفساد التى ضبطتها «إدارة الأموال العامة» أثناء خدمتكم كمساعد وزير للأموال العامة؟
- قضية الرشوة الكبرى الخاصة بمشروع ورق قوص التابع لوزارة الصناعة، التى تم ضبط 32 وكيل وزارة ومدير عام وزارة الصناعة فى تلك الواقعة، وكان الراشى عدلى أبادير يوسف، الذى خرج من مصر بعد القضية وأنشأ فى سويسرا اتحاد الأقباط بالخارج وكان معه مسئولون، بالإضافة إلى قضية العملة الخاصة بشقيق رفعت المحجوب وكان معه الوزير مصطفى السعيد، وقضية نواب القروض، وقضية شركات توظيف الأموال الخاصة بالريان وأشرف السعد.
■ القاتل يعدم وعلى الرغم من ذلك تجد كل يوم العديد من قضايا القتل، فهل يوجد علاج للفساد بخلاف العقوبة؟
- العلاج الوحيد الذى يحول المفسدون دون تطبيقه هو نظام «الشباك الواحد» فى كافة المصالح والإدارات، وألا يكون هناك لقاء بين المواطن والموظف تحت أى سبب، وأن تكون هناك شروط مسبقة معلنة، وأن تكون هناك مدد وتواريخ للرد على طلب المواطن إما إيجاباً أو رفضاً، وأن يكون الموجودون فى الشبابيك لتلقى الطلبات أو الرد على المواطن لا علاقة لهم بالخدمة مطلقاً ولا يتعاملون مع الموظفين المسند إليهم الخدمة، بمعنى أن الموظف الجالس على الشباك لتلقى الطلبات لا يعرف الموظف الذى سوف يذهب إليه طلب المواطن حتى لا يصبح وسيطاً فى الرشوة.
ضعف إمكانيات الأجهزة الرقابية يحول دون كشف عدد أكبر من وقائع الفساد
■ لماذا لا تتم زيادة أعداد المقبولين فى الكليات الشرطية والعسكرية حتى يمكن ضم عناصر جديدة للأجهزة الرقابية؟
- الكلام جميل لكن الفعل شبه مستحيل، حيث إن أعداد كلية الشرطة والكليات العسكرية يتم بناء على الميزانية الموضوعة لها، حيث يتم اعتماد مثلاً 6 آلاف معيشة داخل كلية الشرطة، إذن لا بد من قبول بحد أقصى 1500 طالب سنوياً فقط، والمعيشة مكلفة، إضافة إلى أن وزارة الداخلية لديها إدارات مختلفة تحتاج إلى مليارات الجنيهات حتى تواكب التطور فى محاربة الجريمة.