فى أزمة الجنود المخطوفين تردد مصطلح «هيبة الدولة»، والتى زاد الشعور بامتهانها، بعد بث الفيديو المسجل الذى ظهر فيه جنودنا معصوبى الأعين، راكعين تحت أسلحة مصوبة على رؤوسهم، متوسلين ومستعطفين رئيس الدولة الاستجابة لمطالب خاطفيهم.
هذا الحادث، رغم بشاعته، هو «كاشف» وليس «مؤسسا» لتراجع هيبة الدولة المصرية، ونحن دائما ننسى أو نتناسى المسألة.
هيبة الدولة ليست استعراض عضلات، لكنها فى الأساس تنظيم مجتمع، وتغلغل قانونى بين ثناياه، ومكانة إقليما وعالميا. تتأسس المكانة بالقوة العسكرية، والثقل الاقتصادى، والتقدم العلمى والتكنولوجى، وتطبيق القانون، وتحقيق المساواة بين المواطنين، ووجود جهاز إدارى كفء غير فاسد. المواطن، وعابر السبيل المسافر، يشعر بوجود الدولة فى أوروبا والولايات المتحدة دون وجود شواهد صلبة لها، مثل بطش الشرطة، ولكن بانتظام الحياة، والامتثال للقانون، والعدالة الناجزة المطبقة على المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف فى اللون أو النوع أو الدين أو الوضع الاجتماعى.
هيبة الدولة تحولت فى مصر إلى أثر بعد عين. الأمثلة على ذلك كثيرة. شوارع وسط القاهرة كاشفة عن غياب الدولة، والتى ملأ الفراغ المترتب على انسحابها، الباعة المتجولون، والبلطجية. الانفلات فى الشارع أمنيا وأخلاقيا وسلوكيا لا يحتاج إلى إسهاب، وما تبقى من أدب وأخلاق هو مخزون الناس، وليس تعبيرا عن تقدير أو مهابة أو خشية من قانون الدولة.
أين هيبة الدولة فى ظل حكومة تمد يدها للعالم بأسره بحثا عن قروض ومساعدات؟ وبدلا من الخجل من هذه الحالة نسمع من يقول إن هناك دولا فى أوروبا تلجأ للاقتراض، ونتغافل أن هناك دولا نامية سابقا متقدمة حاليا لا تعرف طريق القروض، ولكن الاعتماد على الذات.
أين هيبة الدولة من عدم كشف لغز استشهاد جنودنا فى رفح؟ لم نعرف من قتلهم، وابتلع الناس الجرح، ولم يثأر الشعب لكرامته التى انتهكت.
أين هيبة الدولة من السيدات اللاتى يتعرضن للتحرش الجنسى بحيث أصبحت مصر تحتل ترتيبا دوليا فى هذه المأساة؟ أين هيبة الدولة من تعرية وسحل مواطن فى الشارع؟ أين هيبة الدولة من الأسعار المرتفعة، والكهرباء المتقطعة، والانفلات الأمنى فى الجامعات، وتراجع مستوى الخدمات العامة، وتوغل الفساد الإدارى على نحو أكثر من ذى قبل؟
أين هيبة الدولة من الصراع بين السلطات الرئيسية؟ وهو جزء من الصراع الأكبر على ملكية الدولة، وكأن الاستبداد قدر على مصر، يختلف شكله، ولا يختلف مضمونه.
مظاهر كثيرة لتراجع هيبة الدولة، وليس فقط خطف وإذلال جنودنا فى سيناء. الدولة التى لا تفرض النظام فى الشارع لن تستطيع حماية جنودها، والدولة التى تقبل أن تنتهك نساؤها لا ينبغى أن تغضب إذا وجدت جنودها منتهكين معصوبى العينين مذلولين مجروحين.
هيبة الدولة ليست فقط كرامة جنودها، وهى كرامة فوق الرؤوس، لكنها كرامة كل مواطن على أرضها.