(هنالك أيام فارقة فى حياة الشعوب أيام تصنع التاريخ.. ترى هل نمر ببعض منها أم تراها لحظات احتضار أخرى لشعب يموت؟..)
تلك كانت أولى كلمات مقالى فى يناير 2011.. ومرت السنون فى لعبة تبادل المقاعد والاتهامات بين أصدقاء الأمس وأعدائه.. وبلا تردد من إعادة النظر ومراجعة النفس.. ومقاومة السقوط فى مستنقع الكبر (والمقاوحة) أو على النقيض الانزلاق مع تدافع القطيع.. ما زلت أحاول أن أكون شجاعة لدرجة التوقف عن الحسابات التافهة لاعتبارات البشر.. بل الانحياز للحقيقة المجردة من المصلحة أو الهوى.. أتذكر أحلاماً ترجمتها يومها إلى كلمات ملأت بها الدنيا صياحاً فى خضم الحدث تقودها جياد الحماسة وعربتها.. لأقف عند كل منعطف جديد يطل علينا منه أحد أوجه الحقيقة قبيح غالباً.. متجمل فى بعضها.. برىء أحياناً.. من زاوية رؤية تتسع بمساحات انقشاع الغيوم.. يبقى ذات السؤال ملحاً.. هى ثورة ولا مؤامرة؟.. فهل لك يا صديقى أن تبحر معى عبر طيات كلمات، كان وما زال التاريخ وصاحبة الجلالة شهوداً عليها حين نشرت فى حينها.. وظلت مشروع كتاب عصى على الظهور للنور.. بحثاً عن تلك الغائبة الحاضرة.. إنها الحقيقة.
منشوراتى فى الميدان (2 فبراير 2011)
قررت فى لحظة من لحظات التجلى أن أكون أكثر إيجابية فشرعت فى كتابة منشورات لتعبر عما ما أردت أن يعرفه البسطاء.. لمحو الأمية السياسية.. (فيبدو أن محو الأمية هو قدرى على كل الأصعدة) والتأكيد على بعض القواعد الأخلاقية والسلوكية بدءاً من النظافة.. احترام الآخر.. ممارسة ثقافة الاختلاف.. نبذ العنف والتخريب.. وهكذا..
توجهت إلى منطقة بين السرايات لأجد معظم المطابع مغلقة.. ليفاجئنى أحدهم برفع السعر للضعف رغم أن 4000 نسخة عدد مغرٍ لعمل تخفيض.. وكانت حجته عدم وجود ورق لظروف البلد.. فتوجهت إلى آخر صاح:
- إيه ده، منشورات؟!!
كان وقع الكلمة غريباً وكأنها جريمة ارتكبتها ليذكرنى بتراث أفلام الأبيض والأسود.. خاصة أنه لم تكن هنالك أى بوادر لسقوط النظام الذى لم نحلم به فى بادئ الأمر.. قرأ المنشور باهتمام ليفاجئنى بخصم بسيط ولكنه كان كبيراً جداً فى نظرى وشرع فوراً وبحماس فى التنفيذ.. (فتحياتى لياسر بعد كل تلك السنين).
ولم أنسَ طبعاً أن أمر بحمولتى الثمينة على المستغل نهاز الفرص و(أنقرزه) بكلمتين وأعلمه أننى وجدت مصرياً مخلصاً فاستغلال المحن خيانة للوطن.. نظرت فى عينيه علنى ألمح اعتذاراً متوارياً وراء الكبر ولكنه أبدى من عدم الاكتراث ما فتح شهيتى لمحاضرة عن الوطنية شفيت بها بعض غليلى.. ومشيت قبل أن يفيق من (الدش المعتبر) ويحدث ما لا يحمد عقباه..
وكأننى فى حلم عجيب تأملت نفسى وأنا أمضى وحدى فى شوارع العاصمة الخاوية أحمل منشورات!
ليباغتنى السؤال التالى: كيف سأوزعها؟
أوقفت سياراتى بشارع انتقيته البارحة بمعروف حاملة جزءاً من المنشورات ثقيلة الوزن.. ليوقفنى مجموعة من رجال المنطقة أحاطوا بى فجأة يسألوننى عما أحمله.. فاعتقدت بسذاجة أن مهمتى فى التوزيع قد بدأت فإذا بهم يكشرون عن أنيابهم ويهددونى بالرحيل وإلا حطموا سيارتى.. (وقد علمت فيما بعد أنهم من بلطجية الحزب) فإذا بى أنتفض كالديك الرومى وأتوعدهم بلهجة أكثر شراسة منهم وقد باغتتهم صيحاتى، مضيت بثقة وكبرياء لا أعرف بأى (أمارة) وهم يتبادلون النظرات فى حيرة من تلك المرأة العزلاء ذات الصوت العالى.. رحلت وأنا متوقعة أن أجد السيارة محطمة عند عودتى ولكننى لا أعرف لماذا لم أبالِ.. عبرت فى اتجاه المتحف المصرى مقاومة بعض الحرج من تقديم 4000 ورقة لأربعة آلاف إنسان مع تفسير منطقى لمصرية لا تحمل أى انتماء سياسى أو فكرى سوى لمصر.. وأتساءل كم يستغرق ذلك من وقت.. وهل ستحظى كلماتى المتواضعة باهتمام أم سأجدها ملقاة تدوسها الأقدام.. وجاءت الإجابة سريعاً، فبمجرد رؤية الناس لحمولتى فوجئت بما أزال كل تساؤلاتى.. فقد حوصرت بأيادٍ ممدودة مشتاقة لدليل وطريق.. كانت أكثر بكثير من قدرة يدى على التعامل مع الموقف وإذا بحمولتى تنفد حتى قبل أن أصل إلى الحدود.. حدود جمهورية التحرير.. وإذا بمن يقرأ بصوت عالٍ لإخوة له لا يعرفهم لكنهم لا يجيدون القراءة.. ويسألنى البعض وعيناه معلقتان على الكلمات تسابق السطور:
- معاكى تانى؟
لأجد نفسى عائدة إلى السيارة لمزيد من التموين محاطة بفريق التوزيع من شباب وبنات زى الورد نتحدث معاً وكأننا رفقاء عمر.. لأبتسم من سذاجة سؤالى منذ قليل.. وأنظر بانتصار لبلطجية الانتخابات هم يرمقوننا فى مسكنة وقد تدثرت بدفء الجماعة.. وللحديث بقة..