«خلف»: «الفقر كان فيه صحة وبركة ولما الخير زاد الأمراض جت معاه»
الجد أحمد خلف
يلقبه أهالى جزيرة أولاد حمزة بمركز العسيرات، جنوب محافظة سوهاج، بـ«الرجل البركة»، يفترش أحمد خلف، المولود فى عام 1949، الأرض كعادته، فى مدخل الطريق المؤدى لمنزله، يلتف من حوله الصبية، ليحكى لهم سيرة الأجداد وأحوالهم، حكايات «خلف» لا تتوقف ولا تنقطع دون كلل أو ملل، فهو دائماً يرسم البهجة على نفوس من حوله برواياته المشوقة عن أحوال الناس قديماً وكيف كانوا يعيشون حياة قاسية، لكن رغم قسوتها كانت تغلفها السعادة والصحة.
«كنت بفطر 2 بتاوة (خبز مصنوع من الذرة الرفيعة) وصحن بصارة لوحدى، ولو مفيش بصارة كنت باكل البتاو بالملح، وفى السحور برضو أتسحر بتاو»، بهذا الكلمات بدأ أحمد خلف حديثه عن الحياة فى الصعيد فى فترة الستينات، التى وصفها بأنها كانت قاسية جداً، ويتذكر جيداً أنه صام لأول مرة فى رمضان وعمره 15 سنة، ويروى أنه عندما بدأ العمل فى حراسة مزرعة طماطم، كان يتقاضى راتباً شهرياً قيمته 3 جنيهات. «كيلو اللحمة كان بـ12 قرش، وقرطاس السكر كان سعره قرش واحد، وماكانش حد بيشترى لحمة غير فى المناسبات، لأن البيوت كانت فاضية، وكانت الناس أول ما تجيب فلوس، كانت بتشترى بيها فول وذرة رفيعة «قيضى» علشان تخبز البتاو». يقول «خلف» إن لديه ولدين و5 بنات، تزوج منهن 4 وله عدد من الأحفاد، وإنه كان يعمل بالفأس لدى أصحاب الأراضى فى الستينات والسبعينات، وكانت اليومية بـ20 قرشاً: «الناس رغم الفقر كانت صحتها سليمة، وماكانش فيه أمراض منتشرة بسبب المبيدات اللى بيتم رشها دلوقتى بكل المحاصيل، زمان كان أقرب طبيب على بعد 5 كيلو، وكان سعر الكشف 50 قرش، وماكانش فيه حد بيروح له إلا فى الشدة، لو أى حد تعب فينا كنا بندعك جسمه ببصلة، ونشربه حاجة ساقعة وبيكون بعدها زى البمب، وقبل العيد كنا نشترى قماش اسمه زفر بـ3 قروش، النساء كانت بتخيطه لنا عشان نصلى فيه العيد».
يرجع ظهره إلى الخلف، ثم يتنهد قبل أن يقول بنبرة منخفضة ممزوجة بالشجن: «التلاجات مليانة لحمة وسمك وفراخ دلوقتى، لكن الناس صحتها تعبانة، والمعدة مش مستحملة أى حاجة، والمرض بقى منتشر بشكل كبير جداً، رغم كل الخير اللى موجود، الخير جه ومعاه المرض».