مستشار سابق للحكومة: «خصخصة التسعينات» كانت «عيب وحرام» لأننا بعنا ما لا نملك بـ«أقل سعر»
هانى توفيق
كشف هانى توفيق، الخبير الاقتصادى، المستشار السابق لدى الحكومة، أن توسيع قاعدة ملكية الشركات المملوكة للدولة أمر جيد ومصدر لخفض عجز الموازنة، وتخفيض الدين العام، وتمويل التطوير والتوسعات، وتحسين كفاءة الإدارة، وتنشيط سوق المال.
وأضاف «توفيق»، فى حوار لـ«الوطن»، أن الاستسهال والاستعجال فى الخصخصة عن طريق بيع شركات عملاقة وناجحة ورابحة أمر غاية فى الغرابة.
وتابع أن نجاح الطروحات الحكومية لن يكون بالتفريط فيها وبيعها للمستثمرين، لكن يجب أن يتم الاستفادة منها بقيمة مضافة عبر طرح أسهم.. وإلى نص الحوار:
كيف تابعت إعلان الحكومة طرح 23 شركة وبنكاً عاماً فى بورصة الأوراق المالية مؤخراً؟
- رأيى أن توسيع قاعدة ملكية الشركات المملوكة للدولة أمر جيد ومصدر لخفض عجز الموازنة، وتخفيض الدين العام، وتمويل التطوير والتوسعات، وتحسين كفاءة الإدارة، وتنشيط سوق المال، لكن الاستسهال بالخصخصة عن طريق بيع شركات عملاقة وناجحة ورابحة أمر غاية فى الغرابة، ونجاح الطروحات الحكومية لا يكون بالتفريط فيها وبيعها للمستثمرين، لكن يجب أن يتم الاستفادة منها بقيمة مضافة عبر طرح أسهم زيادة رأس المال وليس بيع أسهم، وإعلان الحكومة عن خطة طرح الشركات المملوكة للدولة يُعتبر أمراً جيداً ويصب فى صالح استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادى على مستويين، الأول توفير السيولة اللازمة لهذه الشركات أو بعضها للتطوير ورفع الكفاءة الإنتاجية لها، والأمر الآخر توفير قدر من السيولة للدولة للاستثمار والتخلى عن الاقتراض البنكى المتمثل فى أذون الخزانة، وأيضاً تنشيط سوق المال من خلال عدد من الطروحات المهمة لشركات تُطرح للمرة الأولى، ولشركات طُرحت من قبل وترفع من مساهمتها فى التداول الحر من خلال طرح عام.
«توفيق»: توسيع قاعدة ملكية شركات الدولة جيد شريطة تلافى الأخطاء السابقة
وما رأيك فى طرح عدد من شركات قطاع الأعمال ضمن الشركات المعلن عنها؟
- قطاع الأعمال العام يمكن تصنيف شركاته إلى ثلاث شرائح مختلفة طبقاً للأرباح والخسائر، الشريحة الأولى هى الشركات الرابحة، حيث تنتوى الدولة طرح أسهمها وزيادة رؤوس أموالها عن طريق بورصة الأوراق المالية واستخدام حصيلة الطرح فى التوسع والتطوير فى هذا النوع من الشركات، وهى الشريحة التى لا تواجه فيها الحكومة أى أزمة نظراً لكونها شركات رابحة وإدارتها ناجحة ولا تحتاج إلى إدارة أو فصل الإدارة عن الملكية.
ماذا عن الشريحة الثانية؟
- الشريحة الثانية هى الشركات الخاسرة، ويمكن إعادة هيكلتها وتحتاج إلى مستثمر استراتيجى يدخل برأسماله عن طريق شراء أسهم فى هذه الشركة أو امتياز يتم تحديده، على سبيل المثال عن طريق الشراء بسعر محدد مسبقاً وينفق على تطوير الشركة إدارياً وفنياً وتسويقياً.
الشركات 3 شرائح: «رابحة» ستُطرح بالبورصة.. و«متعثرة» يتم تطويرها عبر مستثمر.. و«خاسرة» سيجرى تصفيتها وبيع أصولها.. والبيع ليس الأسلوب الوحيد فى الخصخصة وهناك أساليب أخرى كالمشاركة فى الإدارة أو تخصيص بحق امتياز لمدة 49 عاماً
هل ينطبق ذلك على شركة النصر للسيارات؟
- نعم، شركة النصر لصناعة السيارات أُعلن عن مناقصة عالمية لها العام الماضى، قبل أن يوقفها وزير قطاع الأعمال العام مؤخراً، لإعادة دراستها من جديد، وتم دعوة جميع المستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب، مثل شركة «فيات» أو «رينو»، للدخول فى شراكة مع شركة النصر للسيارات لانتشالها من الخسائر. والشريحة الثالثة من هذه الشركات هى التى تحقق خسائر ولا يمكن إعادة هيكلتها مهما أُنفق عليها من أموال، وهى من نوعية الشركات التى تنتج منتجات غير مطلوبة فى السوق ومنفصلة عن التسويق عالمياً، تلك الشركات لا توجد لها حلول سوى تصفيتها وبيع أصولها، سواء كانت أراضى أو مبانى، والاستفادة من حصيلة البيع فى تطوير شركات شقيقة فى نفس القطاع، والحكومة ليس لديها سوى تلك البدائل الثلاثة لإنهاء أزمة قطاع الأعمال العام الذى يمثل صداعاً فى رأس الدولة المصرية.
هل ترى تنفيذ برنامج الطروحات إعادة واستنساخاً لبرنامج الخصخصة فى التسعينات؟
- الحكومة حالياً تطبق برنامجاً جديداً للخصخصة ولكن بفكر جديد، وتحاول تلافى أخطاء تطبيق تجربة برنامج الخصخصة فى فترة التسعينات، وتطبيق برنامج الخصخصة فى تسعينات القرن الماضى كان به أخطاء فادحة.
ولكنكم كنتم أحد مستشارى الدولة لتقييم الشركات آنذاك.
- نعم هذا صحيح، وأمتلك من الشجاعة الأدبية ما يجعلنى أقول إننى كنت أحد المشاركين كمستشار الحكومة عبر المجموعة المالية «هيرميس» فى تلك الفترة، وأعترف أنه كان هناك لهث وراء بيع شركات الدولة بأعلى سعر ودعم خزينة الدولة بأكبر قدر ممكن، وكان الهدف إن «محدش يضحك علينا»، وكان هذا خطأ شنيعاً.
وما تلك الأخطاء الفادحة؟
- كل من كان قائماً على برنامج الخصخصة فى التسعينات كان يعتقد خطأ أن «الخصخصة لا تعنى سوى البيع فقط»، ولم ينبّهنا أحد فى حينها أن بيع شركات الدولة وأصولها هو إهدار لحقوق الأجيال المقبلة، لأننا بعنا ما لا نملك، وكنا نقيّم أى شركة فى تلك الفترة ثم نتخذ قرار البيع مباشرة لمستثمرين، سواء مصريين أو عرباً أو أجانب، بأعلى سعر.
ماذا حدث بعد ذلك؟
- اكتشفنا بعدها بسنوات أن سعر البيع منخفض جداً عن قيمة الأصل، وكأن الخصخصة لا تعنى سوى البيع، على الرغم من أن الخصخصة لها أدوات وخيارات أخرى، فيجب طرح حصص من الشركات الحكومية بغرض ضخ رؤوس أموال وخبرات جديدة لتطوير الشركات وتوسعة حجم أعمالها، بدلاً من بيع تلك الحصص لمستثمرين، وهناك أساليب عديدة للخصخصة بخلاف البيع، منها نموذج الإدارة مع المشاركة فى الأرباح، أو تخصيص بحق امتياز لمدة 49 عاماً، أو الإيجار الذى يتناسب مع الفنادق، أما البيع المباشر فيُعد إهداراً لحقوق الأجيال الجديدة.
لماذا كانت «خصخصة التسعينات» سيئة السمعة؟
- كما قلت لك بسبب اللهث وراء البيع، ولم تكن هناك دراسات كاملة وافية، والهدف كان البيع لأعلى سعر، ما تسبب فى أخطاء كارثية جعلت من برنامج الخصخصة «عيب وحرام» وأصبح برنامجاً سيئ السمعة، ونتيجة للآثار السلبية التى أعقبت التطبيق حدث هلع وخوف عند الحكومات التى أعقبت تلك الفترة عند مجرد نطق لفظ «الخصخصة».
هل ترى أن قلق وخوف العمال من التغيير يمثل عائقاً أمام تطبيق ذلك؟
- بكل تأكيد العمال دائماً فى أى دولة فى العالم يخشون التغيير، وأى تطوير يتسبب فى حالة من القلق والهلع من المستقبل، بل يتخطى الأمر إلى حد مقاومة الحكومة فى تنفيذ البرنامج.
وكيف تواجه الحكومة ذلك؟
- عند تطبيق برنامج الخصخصة بثوبه الجديد يجب أن يكون بإرادة سياسية وقرارات سيادية بعيداً عن قوانين العمل الحالية لأنها ستكون هى العائق الوحيد أمام التطبيق، وأهم عقبة أمام تنفيذ البرنامج هى العمال.
بماذا تنصح الحكومة لتلافى أخطاء التسعينات؟
- لا بد من مراعاة عوامل مهمة فى عملية الخصخصة تتمثل فى عدم التفريط الكامل فى الأصول، إذ ساهمت الحكومات السابقة فى أخطاء تتمثل فى التخلى الكامل عن شركات مهمة للدولة، والحكومة لديها فرصة رائعة فى المشاركة مع القطاع الخاص تتمثل فى زيادة رؤوس أموال الشركات وطرحها فى البورصة المصرية، بخلاف المشاركة بحق انتفاع لمدة معينة بدلاً من البيع النهائى، ولابد من إعادة دراسة تجربة الحكومات السابقة فى أن بيع أصول الدولة لسد العجز كان خاطئاً، ولا بد من تدارك هذا الخطأ فى الاستراتيجية الخاصة مع شراكة القطاع الخاص، خاصة أن هذه الشركات تُسهم فى أنشطة حيوية.
هل يمكن الاستفادة من أصول قطاع الأعمال العام الضخمة؟
- قطاع الأعمال العام لديه مجموعة ضخمة من الأصول تتمثل فى أراضٍ وفنادق يتجاوز ثمنها المليارات، ويجب أن تتمثل استراتيجية التعاون مع القطاع الخاص فى المصلحة المشتركة بين الطرفين.
وما مصادر تمويل الصندوق؟
- مصدر التمويل للصندوق الجديد يعتمد على حصيلة بيع واستخدام الأصول المملوكة لشركات الحكومة وشركات قطاع الأعمال العام، وحصيلة الأصول المملوكة لبنك الاستثمار ووزارة الرى تتخطى حاجز الـ200 مليار جنيه، بخلاف ما تملكه وزارة الأوقاف من أصول وأراضٍ غير مستغلة، وهو ما أكدته وزارة التخطيط التى أعلنت الشهر الماضى الانتهاء من حصر ما يقرب من 4 آلاف أصل من أصول الدولة غير المستغلة، وأكدت أيضاً أنها تحصر باقى الأصول لاستكمال وتحديث البيانات وتحديد أفضل السبل لاستثمارها، وهو ما يتطابق مع توجيهات رئاسية بضرورة عمل قاعدة بيانات دقيقة بشأن الأصول غير المستغلة للدولة.