مخاوف من عودة «أعداء الآلات»
مخاوف من عودة «أعداء الآلات»
بشَّر الروبوت «صوفيا» الشهير، ببداية عصر جديد يقوم فيه «الروبوت» بوظائف البشر، بل قد يصل الأمر لفقدان البشر لوظائفهم الحالية مقابل إحلال الروبوت مكانهم باعتباره الأسرع والأقل خطًأ وتكلفة، نموذج صوفيا لم يأت بجديد، فوفقاً لدراسة حديثة، يعمل فى أمريكا وحدها أكثر من 260 ألف روبوت فى المصانع اليوم، معظمهم فى صناعات السيارات والإلكترونيات، وبدأ الاعتماد عليها فى مجالات عدة أهمها الرعاية الصحية، والنقل، والتصنيع، وحتى الأعمال المنزلية.
ولأن لكل فعل رد فعل، نقل صندوق النقد الدولى مخاوف الكثيرين من المراقبين حيال عودة حركات «اللودية»، أو «أعداء الماكينات»، التى ظهرت بداية عصر النهضة الصناعية بعد تزايد خوف العمال من فقدان وظائفهم بسبب دخول الآلات للقيام بأعمالهم حينها، وهو ما يخشى خبراء الصندوق تكراره فى وقت يعيش فيه العالم ثورة «الذكاء الاصطناعى» وما قد يتسبب فيه من فقدان البشر لوظائفهم لصالح الروبوت أو الآلات ذات البرامج الذكية. وبحسب تقرير دولى بعنوان: «مستقبل الوظائف للجميع»، فإن 1.4 مليون وظيفة فى الولايات المتحدة وحدها من المتوقع أن تتوقف قبل 2026 بسبب دخول التكنولوجيا، 57٪ من تلك الوظائف تخص النساء. النتيجة الإيجابية التى خلص إليها التقرير هى أن 95٪ من العمال الأكثر تعرضاً لفقدان وظائفهم سيجدون وظيفة بديلة من خلال إعادة توظيفهم بوظائف أخرى مشابهة يمكن تدريبهم عليها. فى الوقت نفسه أكد خبراء اقتصاد عالميون فى مؤتمر «دافوس» الأخير أنه أصبح من الحتمى تدريب العمالة وإعادة تأهيلها، وإلا سيخسر ما يقرب من 16٪ من عمال العالم وظائفهم مع عدم قدرتهم على الحصول على أى وظيفة أخرى على الإطلاق، و25٪ أخرى سيكون لديهم فرصتان أو ثلاث فقط.
هل تؤدى كل تلك المخاوف إلى عودة هتافات «الموت للآلات» التى كانت يرددها اللوديون أثناء تخريبهم للمصانع بعد مرور نحو 200 عام؟، وما مدى انعكاس ما يحدث على سوق العمل المصرية؟.. «الوطن» تسعى للإجابة عن هذه التساؤلات فى السطور التالية.
شبح الذكاء الاصطناعى ينشر فوبيا «فقدان الوظيفة» حول العالم
هل من الممكن أن تعود حركة «اللودية» المعادية للتكنولوجيا من جديد؟.. سؤال طرحه باحثون فى صندوق النقد الدولى بعد زيادة الشعور لدى الكثيرين بالقلق من تأثير التكنولوجيا الجديدة على وظائفهم، فى تكرار لصراع تاريخى بين العمال والتكنولوجيا التى قد تهدد بفقدان وظائفهم.
باحثو الصندوق نصحوا، فى دراسة حديثة، الحكومات بالبدء فى الاستثمار فى البشر وتأهيل عمالتها لعصر الذكاء الاصطناعى، وإلا سيواجه العمال «كارثة» ضياع وظائفهم منهم لصالح الروبوت أو الآلات.
صندوق النقد: موجة الابتكار التكنولوجى ستكون الأكثر إرباكاً للعمالة
وبحسب باحثى الصندوق فإن كثيراً من مراقبى موجة الابتكار التكنولوجى الأخيرة يرون أنها ستكون أكثر إرباكاً من الموجات السابقة، وخاصة بالنسبة للعمالة، فى الوقت الذى يأتى فيه هذا التطور فى فترة تراجع فيها نصيب العمالة من الدخل القومى فى العقود القليلة الماضية، فى حين أن التقدم التكنولوجى الجديد، فى مجالات الذكاء الاصطناعى والتشغيل الآلى وتكنولوجيا الروبوت، قد يكون أكثر ضخامة مما سبقه، ما سيسهل من إمكانية إحلال التكنولوجيا مكان مجموعة العمالة الماهرة.
وأكد صندوق النقد الدولى أن التكنولوجيا الجديدة لن تقضى على فرص العمال فى الاحتفاظ بوظائفهم، موضحاً أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يغير فى نوعية الوظائف وليس انقراضها، حيث سيسهم التقدم التكنولوجى فى تعزيز الإنتاجية، ما يؤدى مع الوقت إلى خلق وظائف جديدة، والسماح بارتفاع الدخول ومستويات المعيشة.
الأمر الخطير فى ثورة التكنولوجيا الحالية، بحسب صندوق النقد، أن الذكاء الصناعى الجديد لا يقتصر على إنتاج الإنسان الآلى والعمليات الصناعية فقط، بل يهدف لمحاكاة العقل البشرى وأنماط عمله لتنفيذ المهام بدقة وسرعة أكبر من العقل البشرى، وذلك من خلال القدرة على التحليل والاستنتاج واتخاذ القرار والمقدرة على حل المشاكل وإزالة العقبات بسرعة ودقة تفوق العقل البشرى.
وبحسب دراسة الصندوق، فإن البلدان حول العالم تحتاج إلى خطط واضحة للاستفادة من مزايا التغير التكنولوجى، ومعالجة تداعياته الأقل إيجابية على الأجور وعدم المساواة. وتشير الدراسة إلى أن جميع البلدان تحتاج إلى سياسات تسهل إعادة تأهيل وتوزيع العمالة وتقصِّر فترات تعطلها، مضيفة: على سبيل المثال يجب على الحكومات توفير تأمين مادى مؤقت للبطالة للعمال الذين سيضطرون لفقدان وظائفهم بسبب دخول التكنولوجيا التى تقلل من فرص العمل.
وتابعت الدراسة: لكن هذا بمفرده لا يكفى لمساعدة العمالة غير المؤهلة لتغيير مجال عملها، إذ يجب على الدول زيادة إنفاقها العام على التعليم وتعزيز فعاليته، مما يجعل العمال أكثر تجاوباً مع طلب السوق ويتيح فرصاً للتعلم مدى الحياة، ضاربة المثل بدولة سنغافورة التى تتيح لكل البالغين منحاً غير مشروطة للتدريب طوال حياتهم العملية.
الصندوق ينصح الحكومات بالاستثمار فى البشر وتأهيلهم للعصر الجديد وإلا فلينتظروا «كارثة».. وخبراء: يمكن للدول إعادة توزيع الضرائب بحسب الفئات المتضررة ودفع إعانات لمن يفقد عمله
وبحسب خبراء الصندوق، يمكن للدول كذلك إعادة توزيع الضرائب بحسب الفئات المتضررة ودفع إعانات اجتماعية للعمال الذين سيفقدون أعمالهم، وضرب الصندوق مثالاً آخر بدول كندا التى خفّضت الضريبة لأصحاب الدخول المتوسطة لدعمها، وقامت مؤخراً بزيادة مزايا ضريبة الدخل.
وقال الصندوق إنه يمكن كذلك أن تتم إعادة توزيع العمالة من خلال نظام الضرائب والإعانات الاجتماعية لنشر المكاسب المحققة من التقدم التكنولوجى، مؤكداً أن بعض الاقتصادات قد استخدمت ما لديها من حيز مالى للقيام بإعادة التوزيع بغية نشر هذه المكاسب على نحو أكثر إنصافاً، وأضاف: «وبينما تمثل إعادة التوزيع جزءاً من العقد الاجتماعى فى كل بلد، تشير أبحاث الصندوق إلى أن معالجة عدم المساواة قد تفيد النمو، مما يُكسبها أهمية لاقتصاد كل بلد».
غير أن إعادة التوزيع تأتى على حساب الكفاءة. ومع ذلك، فإذا صممت الحكومات سياساتها بصورة صحيحة، يمكن أن يعود النفع على كل مجموعات الدخل.
الخلاصة أن مظاهر التقدم التكنولوجى تتيح فرصاً اقتصادية واجتماعية هائلة، لكنها ينبغى أن ترتكز على السياسات الصحيحة لضمان أن تعود بالنفع على الجميع.