د. علاء عبدالمجيد يكتب: ضبط البوصلة
د. علاء عبدالمجيد
يقف المراقبون مشدوهين أمام مفارقة لا تجرى إلا فى وطننا مصر! فبالرغم من سرعه الإنجاز فى تشييد المدن الكبرى والطرق، مع توالى افتتاح المشروعات العملاقة وتزامن ذلك مع اكتشافات بترولية وتدشين رؤية مستقبلية لوطن كامل، فإن الإحباط لم يزَل ساكناً داخل نفوس الغالبية من شباب الوطن.. فما السبب؟!
كيف لا تفعل تلك الإنجازات فعلها فى النفوس فتبدد ذلك الإحباط الجاثم وتزرع أشجار الانتماء الباسقة فى قلب الشاب المصرى المعروف تاريخياً بصدق المشاعر تجاه أرضه، البعض يتسرع ويتهم الشباب بالسطحية أو الانكفاء على الذات، متناسين الأسباب الموضوعية لتلك المفارقة المؤسية التى نكابدها الآن.
أعتقد أنه يحق علينا التماس العذر لجموع الشباب المصرى، فعلى الرغم من صدق انتمائه وقوة امتزاجه مع تراب الوطن فإنه قد تُرك وحيداً أمام واقع مأزوم يُقصيه ولا يكترث باحتياجاته، وأهمها فى نظرى حاجته الماسة لكى يكون عضواً فاعلاً ومؤثراً فى وطنه ومجتمعه، فتلك الأحزاب السياسية التى لا تلتفت للمواطن بقدر لهاثها خلف السلطة ظناً منها أن ذلك ربما يمكنها من اقتناص منفعة ما، والعجب العجاب حقاً أن بعض تلك الأحزاب تظن بنفسها الجدارة والاستحقاق لنيل الجوائز بينما الرئيس قد قالها صريحة بأنه لن يسدد فواتير سياسية لأحد، وكان الأجدر بهم أن ينهضوا بالدور المنوط بهم وهو العمل الجماهيرى الجاد لتعميق الوعى السياسى لدى الشعب واكتساب وتدريب الكوادر الشبابية القادرة على العمل المستقبلى ثم يأتى السبب التالى فى إشاعة الإحباط داخل النفوس، وهو انعدام التسويق السياسى للإنجازات المتعددة التى صارت واقعاً ملموساً أو الأخرى التى لم تزل فى طور البناء فلا بد من شرح منهجى وعلمى للغرض المجتمعى من كل مشروع عملاق يتم تشييده وذلك الشرح سيبدد الحالة الضبابية حيث سيدرك الشاب أن المستقبل القريب سيصير مغايراً لواقع مأزوم يكافح لتغييره.
وليس المقصود من التسويق السياسى هو كيل المديح للنظام أو للأجهزة التنفيذية بقدر ما يهدف إلى ضبط البوصلة داخل كل مواطن لكى يعمل فى نفس الاتجاه التنموى فيسير الشعب وفق الرؤية السياسية الشاملة فلا تضارب للإرادات كى لا تخور القوى.
ونأتى للسبب الثالث وهو غياب أو تغييب الرؤية الاجتماعية للدولة، فلا بد أن يدرك الشاب المصرى أن كل الأجهزة تعمل وفق خطة مدروسة لتحقيق أمانة الشخص ومصالحه العامة وأظن أن ملف التوظيف والقوى العاملة غائب تماماً ويفتقر الكفاءات التى يجدر بها العمل على تنميته وإثراء مناحى الاستثمار لتعظيم فرص العمل المتاحة للشباب.
أما تلك الحالة الهستيرية التى تصيب بعض الوزارات والأجهزة قبل كل تغيير وزارى فهى بلا شك من أهم أسباب الإحباط المجتمعى، فتلك البيانات المفتقرة للدقة والتى يتباهى خلالها المسئول -مثلاً- بتوفير المئات أو بضع ألوف من فرص العمل، يصيب الشاب بانعدام الثقة فى أجهزة الدولة لأنه يتمكن ببساطة من اكتشاف خديعة تلك الأرقام. فكيف يكون حال الشاب الحاصل على درجات علمية رفيعة حينما يكتشف أن سوق العمل يلفظه، والمسئول لا يهتم بتوظيفه أو إعادة تدريبه ليصير لائقاً لسوق العمل داخلياً أو خارجياً.
لذا فالأجدر أن تتوقف تلك البيانات الدعائية التى لا تخلف وراءها إلا المزيد من فقدان الثقة! واختصار القول: فى ظل التطور التكنولوجى والفنى يصير التدريب المستمر فرض عين لتأهيل الشباب لسوق العمل؛ فالتوظيف هو عماد وركن الأمان الاجتماعى الأول.
مدير مركز انطلاقة للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية