١- شاب مصرى.. يمتلك بنياناً جسدياً يُحسد عليه، لا أعرف مهنته، ولكنه اختار اسماً حركياً يوحى بأنه قريب من أحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين. المنطقى ألا يسمع عنه أحد أو يعرفه سوى أصدقائه المقربين، لكنه قام بخطبة إحدى ممثلات الصف الثانى التى تشتهر بخفة دم مفتعلة تدور حول السخرية من بدانتها، وهو أمر لا يضحكنى شخصياً.. من وقتها اقتحم عالم الشهرة لسبب لا أعرفه!! المهم أن الشاب قد انتابته نوبة شهامة مع والدته فى إحدى الليالى، واكتشف بعد منتصف الليل، أنها تعانى من مشكلة فى ركبتها، فذهب إلى مستشفى الهرم ليكشف عليها الأطباء.. وهناك أخبروه أن الأمر ليس وليد اللحظة، وأن ما تعانيه هو خشونة مزمنة فى مفصل الركبة؛ الأمر الذى يجعل حالتها لا تحتاج للطوارئ التى يستحقها حتماً مرضى آخرون، فما كان من سيادته إلا أن تطاول على هؤلاء الشباب، وصوّرهم وهم فى حجرة الاستقبال لينشر الصورة على موقع التواصل الاجتماعى مصحوبة بسباب من النوع الفاخر للأطباء الذين لا يؤدون عملهم كما ينبغى، لتشارك خطيبته الصورة متضامنة معه فى السباب!
أكثر ما يؤلم فى القصة كلها أننى لا أعرف تحديداً تلك المهنة التى تجعل صاحبها يملك اسماً لرئيس أمريكى أسبق!!
٢- ممرضة شابة لم تتجاوز الثلاثين من عمرها.. تعانى كالمعتاد من زحام الاستقبال فى مستشفى الغردقة العام فى مثل هذه الساعة، ولكنها تصطدم هذه المرة بسيدتين ترفضان ما تم تقديمه لهما من علاج، تحاول تهدئتهما قبل أن تنهالا عليها بوابل من السباب الذى لم تفهم قدراً لا بأس به منه، لتنصرف السيدتان وهما تتوعدانها وكل العاملين بالمستشفى بالمزيد بعد أن يحضر الرجال.
لم تتقبل نفس الممرضة الشابة كل هذا السباب، ولكنها تعجز عن الرد.. يصيبها الحزن الشديد من العجز والقهر، فيرتفع ضغطها بشكل مفاجئ، وتسقط مصابة بنزيف حاد فى المخ!!
هناك درجة من القهر تصبح عندها كل محاولات التبرير والمواساة بائسة للغاية!
٣- لم تتردد المذيعة الشهيرة فى أن توافق على أن يكون موضوع حلقتها عن أخطاء الأطباء.. الكل يحب الحديث عن هذا الموضوع تحديداً.. ستستضيف عضو مجلس النقابة والعاشق للظهور الإعلامى، وستواجهه بمجموعة من القضايا المقدمة ضد أطباء؛ تعرف هى جيداً أن بعضها أو معظمها كيدى، ولكنها ستحاول الحفاظ على مهنيتها التى اشتهرت بها! لم تفكر لماذا الأطباء تحديداً.. لماذا لا تحضر حلقة عن أخطاء المهندسين أو المحامين، فالأطباء أكثر إثارة، ستجد العديد من المداخلات، وستمتلئ الحلقة بالكثير من الدموع والدعاء عليهم!
٤- لا أعرف طبيباً لا يحب مهنته، ولا يتمنى أن يشفى مرضاه بمجرد أن يضع يده عليهم كالمسيح، بل ربما تصدق علينا سخرية الفنان عادل أمام حين كان يدعو «اللهم أمرضنا واشفيهم»، أعنى المرضى جميعاً، ولن يتمكن أحد من أن يجعلنا نكرهها مهما حاول. أعرف أن البعض من أهلها يسيئون إليها، وأن بعض الاعتداءات ربما تكون رد فعل لتصرفات غير مسئولة من الأطباء أنفسهم، ولكن الأغلب أن العكس هو ما يحدث! لو علم الشاب المنتشى بخطيبته أن هناك من سيحاسبه على السبّ والقذف على موقع التواصل الاجتماعى لفكّر مرة أخرى قبل نشر سبابه.. ولو عرفت سيدتا الغردقة أن اعتداءهما على الفريق الطبى باستقبال المستشفى لن يمر مرور الكرام لتراجعتا عنه قبل أن تفعلاه.. ولكن الجميع يعرف أن الاعتداء على أى طبيب حق يكفله الدستور!!
إن كنا نتوسم الخير فى وزيرة الصحة الجديدة، وإن كنا نبحث عن بناء الإنسان -كما صرح الرئيس- عن طريق الاهتمام بالصحة والتعليم، فتأمين المستشفيات وتغليظ عقوبة الاعتداء على الطاقم الطبى وضبط الرسالة الإعلامية الموجهة ضد هذا الفصيل ينبغى أن يكون من أولويات المرحلة!!
لقد اكتفينا.. أفلم تكتفوا؟!