الضجة التى أثارها خبر ارتباط الداعية معز مسعود بإحدى الفنانات المصريات تستحق التوقف أمامها من أكثر من جهة، أولها أنها تكشف عن نوع من الوعى لدى مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى والحرص على المحاسبة، وهى ثانياً تقول إن الدعاة والمتحدثين فى الشأن الدينى لم يعودوا بعيدين عن المحاسبة، ولم يعد هناك من يتحرج من انتقادهم خوفاً من أن يكون هذا ماساً بالدين نفسه.. أما على مستوى الداعية نفسه فنحن إزاء تجسيد حى لنمط الدعوة (البروتستانتى).. والفكرة ببساطة أنه كما تأثرنا فى مصر خلال السنوات الماضية بالفيلم الأمريكى والطعام الأمريكى و(براندات) الملابس الأمريكية، تأثرنا أيضاً بالنمط الأمريكى فى الوعظ الدينى، وصار لدينا من يقلد الوعاظ الأمريكيين فى طريقتهم، حيث يتحدث الداعية نفس اللغة التى يتحدثها جمهوره، ويرتدى نفس الملابس، ويتحدث فى موضوعات يومية، وفى حالة معز مسعود رأينا أنه يتحول أيضاً إلى منتج للأعمال الفنية وللموسيقى رغبة فى أن يضع فيها الرسائل التى يريد إيصالها لجمهوره، وعلى خلاف دعاة الثمانينات والتسعينات الذين كانوا يبذلون مجهوداً كبيراً لإقناع الفنانات بالاعتزال وارتداء الحجاب، ويجمع بعضهم التبرعات من أجل ذلك، يختلف الأمر اليوم، داعية مثل معز مسعود ليس لديه مانع من أن تظهر الفنانات فى الأعمال التى ينتجها دون حجاب، لكنه سيقدم فناً محافظاً ومراقباً، لن تجد مشاهد عاطفية، ولا خموراً، ولا علاقات خارج إطار الزواج، فضلاً عن أن أعماله ستحمل وجهة نظره فى كل القضايا، تماماً كما لو كان سيلقى درساً أو حلقة فى برنامج دينى، «معز» هو الجيل الثانى من الدعاة التليفزيونيين بعد عمرو خالد.. وبالنسبة لليبراليين والتنويريين وكل الذين يرون أن هؤلاء الدعاة يخدمون مشروع جماعة الإخوان المسلمين (وهم كذلك بالفعل).. فإن المسألة ستكون أصعب.. معز مسعود ليس هو الشيخ فوزى السعيد الذى صعد على المنبر فى التسعينات وطالب بالجهاد فخرج إلى السجن.. «معز» وزملاؤه مهمتهم أن يجعلوا المجتمع محافظاً أكثر مما هو محافظ، وأن يستخدموا فى ذلك كل الأدوات الناعمة الممكنة.. وهم فى أدائهم هذا يشبهون الطيار الحربى الذى يحاول طوال الوقت أن يطير تحت مستوى الرادار. حتى لا يتم رصده، ومواجهته بعنف، وهم لا يعدمون أنصار وحلفاء فى بنية السلطة يرون أن وجودهم مفيد، ويتأثر بعضهم بما يقولون، ولا يجد فيه ضرراً ما داموا لا يدعون الناس لحمل السلاح، لكن الحقيقة أن معركة هذا النوع من الدعاة هى جعل المجتمع جاهزاً لقبول ما لم ينجح السلاح فى إجباره على قبوله.. المعركة طويلة وممتدة بقدر ما تبدو ناعمة، والسلاح الأول فيها هو وعى المصريين.