منذ شهور كنت على موعد مع الميد ترم، وما أدراك ما الميد ترم، ذهبت فى عجالة سريعة إلى جامعة كفر الشيخ، استقليت سيارة، من مدينتي بيلا، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، وكنت أملك فى يدى بعض الأوراق الخاصة بالمادة التى سأمتحن فيها، حتى أراجع وأستذكر وأستدرك ما حفظته من المنهج خلال فترة الدراسة.
بعد دقائق قليلة، اكتمل عدد الركاب، وانطلقت بنا السيارة على بركة الله، وتأملت فى الأوراق، وأخذت أراجع لنفسى بصوت منخفض، حتى لا أزعج من حولى، وكنت أقوم بأخذ قسطاً من الراحة بين كل صفحة حتى لا تضيق نفسى، ولا يأخذنى الملل إلى طرقه المختلفة، حيث كنت أنظر من نافذة السيارة تارة، وتارة أخرى أنظر إلى هاتفى المحمول.
بعد أن انتهيت من استذكارى، نظرت نظرة ثاقبة من نافذة السيارة، وإذا بسيدة مسنة يبدو عليها مرارة الحزن، والكآبة، والألم، تعتلى كتلة أسمنتة على قارعة الطريق، مثبت بها «لافتة»، تحتوى على صور أحد الشباب المتوفين، وهى تقوم بنظافتها وتلميعها وتنظر إليها بحسرة شديدة وكأنها تقول له «يا ولدى يا زهرة الشباب».
ولا شك أن الناس فى محافظتنا، وخاصة فى القرى التابعة لمدينتنا «بيلا» قد اعتادوا على وضع «لافتات»، بأسماء أمواتهم فى معظم الشوارع والميادين، تخليداً لذاكرهم، فلا تجد طريقاً أو مدخلاً يؤدى إلى أى مدينة إلا وبه صوراً للموتى، وأكثرهم من الشباب.
فى ذلك الوقت كان لدى فضول كبير أن أعرف كيف مات هذا الشاب الصغير فى السن، وتسائلت بينى وبين نفسى، أمات من علة أمات من فقر أم مات من إهمال، واكتفيت بقول «لا حول لا قوة إلا بالله».
تذكرت فى ذلك الوقت شهداء الوطن الذين سقطوا دفاعاً عن تراب الوطن، وشرف الأمة، الذين ضحوا بالغالى والنفيس من أجل مصر، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن يحيا آخرون، ومن أجل رفعة هذا الوطن، والذود عن مقدراته، وكسر شوكة الإرهاب.
تذكرت آبائهم، وأمهاتهم، زوجاتهم، وأبنائهم، وحسرتهم على فلذات أكبادهم الذين فقدوهم بين عشيةً وضحاها، وتركوهم بين براثن الهموم والأحزان، ولكن على النقيض رفعوا رؤوسهم، ووضعوهم فى مكانة عظيمة عن غيرهم.
وتذكرت أيضاً ضحايا الإهمال الطبى، من الفقراء، والبسطاء، والأطفال، بمختلف أعمارهم الذين فقدوا أرواحهم البريئة داخل جدران المستشفيات، على أيدى أناس ليس فى قلوبهم مثقال ذرة من رحمة أو شئ من الضمير الإنسانى، وغيرهم من الضحايا فى كافة الأنحاء والأرجاء.
فى النهاية .. أدعوا الله العلى القدير أن يرحم جميع شهداء الوطن، من شهداء أبطال القوات المسلحة، ورجال الشرطة البواسل، وشهداء ضحايا الإهمال، فى كل مكان، «طبتم فى جنات الفردوس نُزلا».