شارع كرداسة السياحى يستعيد بريقه بعد تطهيره من «بقايا الإخوان»
انتعاش الحركة التجارية فى «كرداسة السياحى»
شارع متسع، ليس كغيره من الشوارع المحيطة، فأرضيته «مبلطة» وكأنه مخصص للمارة، وعلى رأسه قسم شرطة حرقه الإخوان أثناء فض اعتصام رابعة، تخطت شهرته معظم الدول العربية والأجنبية، يأتون إليه خصيصاً لشراء منتجاته المميزة بطابعها البدوى والفرعونى وبألوانها الزاهية، فهنا داخل الشارع السياحى بمدينة كرداسة تجد ورشاً ومصانع يعمل بها أغلب سكان الحى منذ سنوات طويلة لإنتاج ملابس ومنسوجات نسائية.
تعود شهرة الشارع السياحى إلى السبعينات من القرن الماضى، حين قام الحاج عبدالحميد عيسى، الذى وافته المنية منذ سنوات قليلة، بتأسيس أول مصنع بالمنطقة لبيع الملابس والمنسوجات التى لاقت إعجاب كل من يراها، حتى دعمته حينها الدولة بإرسال أفواج سياحية إليه ضمن برامجها السياحية، وما هى إلا سنوات قليلة حتى اشتهر الشارع وأصبح قبلة للعرب والأجانب من مختلف الجنسيات، حسب كلام محمود عبدالحميد، صاحب أحد المحلات بالشارع، 55 سنة، موضحاً أن والده بدأ رحلته بالعمل على أنوال خشبية فى منزله، وعرض ما ينتجه من أقمشة فى القاهرة، خصوصاً فى منطقة الأزهر التى كان يقبل عليها أفواج سياحية عديدة حينها، حتى قرر عمل ورشة لتجهيز الخامات وتصنيعها داخل كرداسة: «كنا وما زلنا بنعمل منسوجات مخصوصة لبعض الدول العربية زى الملاية اللف للسيدات، وشيلان من الصوف للرجال، وفيه أزياء بنعملها للعرسان فى سيوة، وبنصدر منتجات أخرى للسودان وليبيا».
أصحاب محلات: «أخيراً رجعنا نشتغل».. «محمود»: والدى أسس أول مصنع لبيع المنسوجات
وعلى بُعد خطوات من محل «محمود»، كان «أحمد حسن»، 48 سنة، جالساً على كرسيه، ومن حوله أصحاب بعض المحلات المجاورة له، يتسامرون فى ما بينهم، حيث لم تعد حركة البيع والشراء داخل الشارع كما كانت عليه من قبل، وفقاً لكلامه، مبرّراً ذلك بأن الدعاية السيئة التى روّج لها الإعلام عن حى كرداسة منذ عهد الإخوان كانت السبب لفترة طويلة وراء اختفاء الزبائن: «السمعة اللى طلعت على كرداسة خلت الزباين تخاف تنزل هنا، ولفترة طويلة فضل حالنا واقف، ويادوب، بدأ الحال يمشى تانى ورجع لنا زبائن خليجية بجانب الزبون المصرى والسودانى».
وعن قلة وجود أجانب داخل الشارع، يوضح الرجل الأربعينى أن أصحاب المحلات اهتموا بالزبون المصرى والعربى أكثر من الأجنبى، حيث اتجه أغلبهم إلى تصميم العبايات بدلاً من منتجات خان الخليلى، ومن هنا جاءت شهرة كرداسة بالعبايات: «إنتاج العبايات إلى حد ما أسهل، وكانت العمالة متوافرة هنا بشكل كبير، فاكتفوا بتصميم الجلاليب، ومع الوقت أصبح بقى معظم أهل كرداسة عندهم ورش وشغالين فى المجال ده».
لم يعد أصحاب المحلات يعتمدون على الشغل اليدوى فى صناعة العبايات إلا بنسبة قليلة لأنها تحتاج، على حد قول «أحمد» إلى وقت طويل لتصميم واحدة منها، لذلك لجأ أغلبهم إلى تصميمها بالماكينات، حتى يتمكنوا من تحقيق ربح ينفقون منه على ذويهم: «فيه بعض الورش ما زالت بتعمل شغل يدوى، لكن مش موجودة بكثرة زى الأول، لأن البائع محتاج إنتاج أكبر فى وقت أقل علشان يقدر يسد احتياجات السوق ويحقق مكسب».
«أحمد»: «السمعة اللى طلعت على المنطقة خلت الزباين ماتنزلش السوق فترة طويلة»
وداخل ورشة صغيرة، بها نحو 6 أنوال، وأمام كل «منسج» خشبى منها، يجلس العمال لممارسة المهنة التى تعلموها منذ الصغر، من بينهم «عادل»، 46 عاماً، الذى يعمل بتركيز شديد للانتهاء من عباءة سيناوية، طلبها منه صاحب أحد المحلات بالشارع نفسه، يحكى عن تاريخ هذه المهنة وما وصلت إليه، قائلاً: إن أغلب البيوت فى كرداسة كانت لا تخلو من النول الذى تعمل عليه الأسرة بأكملها، لكن مع دخول التكنولوجيا أصبح الأغلب يعتمد على تطريز العبايات بالكمبيوتر، باستثناء بعض الورش التى لا تزال تحتفظ بطابعها القديم الذى يختلف ذوقه تماماً عن الموجود حالياً بالأسواق: «باصمم عبايات وطرح للسيدات فى سيوة، وبعض الشغل منه بيتصدر إلى الخارج، ورغم أنه مطلوب، سواء داخل أو خارج مصر، إلا أن الأغلب بيتجه للتصاميم الحديثة، وما بقاش فيه حد بيشتغل معانا من الجيل اللى طالع، لأنها محتاجة صبر وبال طويل، لذلك بعد ما جيلنا يموت محدش هيشتغل شغلنا».