تعرضت الجمهورية الثانية إلى اختراق (الجماعات الجهادية) لبنيانها، مستغلة فى هذا الحالة التى كان عليها المجتمع المصرى عامة، والجيش خاصة، وهى العقيدة القتالية التى أخذت شكل الجهاد فى سبيل الوطن واسترداد الكرامة والأرض العربية.. كانت معسكرات الجيش تضج بأصوات الوعاظ والشيوخ لبث روح الجهاد أمام عدو يتخذ من دينه ستاراً للحرب ضد العرب من أجل الدفاع عن أرض الميعاد التى وعدهم بها الله حسب عقيدتهم، ولذا كان واجب القيادة السياسية والعسكرية أن تمنح صفوف مقاتليها نفس الصفة الدينية التى يحارب بها جيش العدو، وتأججت تلك الروح الجهادية لدى جيشنا فصار متشبعاً بها وقد أدى بها حرب أكتوبر بنداء (الله أكبر) وبخطة (بدر) وقبلها (المآذن العالية) فى حرب الاستنزاف وحتى عام ٧٤ لم تكن هناك مشكلة واضحة بهذا الخصوص، حيث تم استغلال تلك الروح الجهادية العالية فى حرب استنزاف ثانية لم يعلن عنها، كما ذكرنا سابقاً، اللهم إلا فى عام ٧٢ وقبل الحرب بعام عندما كان الشباب المصرى يطالب بإجراء الحرب فى أسرع وقت والخروج من الحالة التى كنّا عليها وهى اللاحرب واللاسلم، عند ذلك كان أول استغلال لتلك الجماعات كبروفة أولى لاغتيال الرئيس السادات وكان ذلك من خلال حدث منح عنوان (مغامرة النقيب عيد)، جاء فى مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلى الذى يقول: «فى نحو الساعة ١٨:٤٥ يوم ١٢ أكتوبر ٧٢ رن جرس تليفون منزلى وكان المتكلم هو الفريق سعد الدين الشريف كبير الياوران بالنيابة وأخطرنى بأن عدداً من الدبابات فى شوارع القاهرة، وهذا يهدد أمن وسلامة الرئيس ويشكل خطورة على الموكب المزمع تحركه الليلة لحضور اجتماع مجلس الأمة فى مصر الجديدة، كما أخبرنى بأنه أخطر الفريق صادق (وزير الحربية) بهذا الحادث قبل أن يتصل بى مباشرة، تحركت فوراً إلى مكتبى حيث علمت أن الشرطة العسكرية قد قبضت على قائد تلك القوة وأخذته إلى قيادة المنطقة المركزية فتحركت على الفور إلى هناك حيث وجدت الفريق صادق قد حضر قبلى بدقائق وبعد أقل من نصف ساعة حضر اللواء على عبدالخبير قائد المنطقة العسكرية المركزية، وكان قائد القوة التى قبضت عليه الشرطة هو النقيب على حسنى عيد، وهو قائد سرية مشاة ميكانيكية، ضمن لواء مدرع يتمركز شرق القاهرة بنحو عشرين كم، وروى النقيب عيد فقال لقد كانت سريتى مكلفة بواجب القضاء على أى جماعات محمولة جواً قد يقوم العدو بإسقاطها فى المنطقة وقد رأيت أن أقوم بتدريب رجالى على تنفيذ هذه المهمة التى كلفنا بها ولاختبار مدى كفاءتهم فى تنفيذها وفى الساعة ١٤:٠٠ بدأ المشروع التدريبى وبعد الانتهاء فكرت فى أن نقوم بصلاة المغرب فى جامع الحسين وعند وصولنا تركنا مدرعاتنا فى الميدان ودخلنا الجامع، وبعد الصلاة فوجئنا بالشرطة العسكرية تحيط بنا وتقبض علينا، كان الفريق صادق يتولى التحقيق بنفسه بينما أنا واللواء عبدالخبير نستمع لأقوال النقيب ونتدخل من وقت لآخر لتوجيه سؤال أو لإيضاح نقطة غامضة، ومن سخرية القدر أن يقبض على اللواء عبدالخبير نفسه بعد شهر من هذا الحادث بتهمة تدبير انقلاب ضد السادات والتى حوكم من أجلها وسُجن وهى (إنقاذ مصر)، لقد كانت قصة النقيب عيد غير منطقية وليس هناك من إجابة مقبولة للعديد من الأسئلة، منها لماذا أشرك النقيب عيد معه أفراداً ومركبات أخرى من الكتيبة مع أنهم ليسوا ضمن تنظيم السرية التى يقودها هو؟ لماذا لم يخطر قائد كتيبته مسبقاً بأنه ينوى القيام بإجراء مثل هذا المشروع حتى يمكن اتخاذ إجراءات الأمن الداخلى المعتادة؟ ولماذا لم يمتثل لأوامر الشرطة العسكرية التى تقف عند مدخل مدينة القاهرة لمنع أى قوات مسلحة من دخول القاهرة إلا إذا كان ذلك طبقاً لتصديق كتابى مسبق ومبلغ صورة منه إلى الشرطة العسكرية، هل من المعتاد أن يذهب المرء إلى الجامع راكباً دبابة أو عربة قتال مدرعة؟ ومن أقوال ضباط الصف والجنود اتضح أن النقيب عيد أخطر أفراد كتيبته بأنه سيقوم بمشروع تدريبى وأنه تحرك من منطقة تجمعه فى ١٢ عربة مدرعة مجنزرة وبعد أن غادر منطقة معسكرات الهايكستب تحول إلى طريق القاهرة ثم مر خلال نقطة الشرطة عند الكيلو 4٫5 بالقوة وقد استطاعت ٧ مركبات أن تتبعه ولكن الخمس الأخريات امتثلت لأوامر الشرطة العسكرية وتوقفت عند هذه النقطة، واندفع النقيب عيد داخل شوارع القاهرة بتلك المركبات السبع بسرعة عالية وأخذ يصدر باللاسلكى أوامر وتعليمات غير واضحة وبعض الآيات القرآنية، بدأ الشك يخامر نفوس بعضهم فتوقفت أربع مركبات أخرى فى منتصف الطريق داخل شوارع القاهرة وهى لا تدرى ماذا تفعل؟ وصل النقيب عيد ومعه ثلاث مركبات إلى ميدان الحسين حيث ترجلوا ودخلوا المسجد للصلاة، وفى أثناء استجوابه كان يظهر شيئاً من عدم الاتزان والتعصب الدينى ويتهم المجتمع المصرى بأنه نسى الله ونسى دينه وكان يتوقف عن الإجابة فى كثير من الأحيان لكى يتمتم بآيات من القرآن الكريم. وبعد انتهاء التحقيق أخطرنى (صادق) بأنه سوف يقوم بإبلاغ نتيجة التحقيق بنفسه للرئيس، وأعلن بعد ذلك أن عيد مجنون وأرسل للمستشفى، وبعدها قام الرئيس السادات بإقالة صادق بعد أسبوعين من هذا الحادث كأحد الأسباب». انتهت مغامرة عيد لقلب نظام الحكم بغسيل الدماغ بالفكر المتأسلم.. ويبقى حادثان أحدهما فى عام ٧٤ (الفنية العسكرية) والحادث الأخير الذى انتهى به حكم الجمهورية الثانية باغتيال الرئيس السادات عام ٨٠.. ولْنَرَ كيف قامت جماعة (الإخوان) بالمشاركة فى هذه الأعمال الإرهابية.