«الحلم يتحقق»: 40 مصنعاً جديداً تدخل مرحلة الإنتاج والتصدير رغم ضعف الخدمات
شوارع ممهدة وأعمدة إنارة تُجمل الروبيكى
بدأ 40 مصنعاً جديداً بمدينة الروبيكى لصناعة الجلود فى العمل فعلياً والإنتاج والتصدير من أصل 195 مصنعاً بهذه القلعة الصناعية التى تدخل الخدمة بجانب مدن مصر الصناعية الأخرى، قامت «الوطن» بجولة فى هذه المصانع سواء التى بدأت الإنتاج أو على وشك الإنتاج ورصدت مشاكل وهموم أصحابها وعمالها بجانب طموحاتهم وآمالهم.
«كنت شغال ومستقر وبكسب والدنيا ماشية حلو وزى الفل، وفجأة قالوا انت لازم تتنقل من المكان ده لمنطقة صناعية جديدة بعيدة عن هنا 55 كيلو» هكذا بدأ مصطفى حسين، صاحب مدبغة الجنيه، بمدينة الروبيكى ببدر وهو جالس على مكتبه، حديثه عن فكرة الانتقال من سور مجرى العيون بمصر القديمة إلى الروبيكى، والتى وصفها بالأمر الصعب على الأقل مع بداية صدور القرار، متابعاً: «من أكتر الأمور اللى كانت قلقانى جداً هى تكلفة النقل، بالإضافة إلى تكاليف الصناعة نفسها فى المكان الجديد، لأن بصراحة على سبيل المثال المياه كانت هناك فى سور مجرى العيون بلا ثمن ونستخرجها من بئر فى الأرض ونشتغل بيها من غير ما ندفع ولا جنيه»، موضحاً أنه فى الروبيكى يدفع مقابلاً كبيراً للمياه، ولا يستطيع الاستغناء عنها أو التقليل من كميتها لكون دباغة الجلود تعتمد فى الأساس على المياه، مشيراً إلى أن الحكومة التزمت بتوفير نفس مساحة المدابغ القديمة، مع تسهيل نقل الماكينات وتجهيزها على نفقتها.
التوسع الأفقى فى الروبيكى كان أهم ما يُميز المدينة الصناعية على عكس المقر القديم بمجرى العيون، حيث كان التوسع هناك رأسياً، حسبما أوضح «مصطفى»، متابعاً: «المكان هنا أنضف بكتير، وخدمات الصرف والمياه والكهرباء منتظمة إلى حد كبير، على عكس مجرى العيون كنا بنواجه مشاكل كبيرة فى الكهرباء لأنها كانت بتقطع كتير، ده غير أن نسبة الهادر فى الجلود أقل كثيراً من المكان القديم»، يصمت «مصطفى» ثم يستكمل حديثه قائلاً: «المصنع بتاعى فى مجرى العيون كان 5 أدوار، والمساحة هنا متوفرة والدولة أعطت ميزة للعشر مصانع الأولى اللى اتنقلت الروبيكى فى الحصول على مساحة أكبر»، وأكد «صاحب المدبغة» أن مدينة «الروبيكى» كانت مُقسمة إلى 3 مراحل، المرحلة الأولى 185 ألف متر لنقل كامل مجرى العيون، والثانية 120 ألف متر للتوسعات، ومن يحتاج يشترى من الحكومة، والثالثة والأخيرة مخصصة للصناعات الجلدية كالأحذية والحقائب، لكن المشكلة كانت فى المرحلة الأولى التى لم تستطع استيعاب كل مدابغ مجرى العيون، منوهاً بأنهم يحاولون فى الفترة الحالية استكمال نقل باقى المدابغ فى المرحلة الثانية.
«مصطفى»: التوسع الأفقى أهم ما يميز «الروبيكى».. ونواجه منافسة غير عادلة مع مدابغ «مجرى العيون».. ونعانى من الروتين فى الإجراءات والتراخيص
«مدبغة الجنيه» كانت من أوائل المدابغ التى انتقلت إلى «الروبيكى»، وهو ما أوضحه «صاحبها»، وأوضح أن مشروع نقل مدابغ مجرى العيون فى الأساس كان اسمه «توطين مجرى العيون بمدينة الروبيكى» ومعناه نقل المصانع وأصحابها بالعمال فى المكان الجديد، متابعاً: «عن نفسنا كأصحاب المصانع خدنا مساكن لينا فى الشروق ومدينتى والتجمع، لكن العمال ما زالوا ساكنين فى أماكنهم القديمة، ومانعرفش حاجة لحد دلوقتى عن مصير السكن المخصص للعمال».
للخروج من مأزق تخصيص 3 أوتوبيسات فقط من قبل الحكومة فى البداية للمدينة بأكملها لنقل العمال من وإلى الروبيكى، قرر «مصطفى» تأجير أوتوبيسات خاصة بالمصنع، تنقل العمال صباح كل يوم من أمام مستشفى 57357، وتعيدهم إلى نفس المكان فى نهاية فترة العمل، «دى تكاليف كبيرة علينا جداً، لأنه حتى الوقت الحالى لم يتم توطين العمال فى مساكنهم المُخصصة، و3 أوتوبيسات دول مايكفوش مصنعين على بعضهم، وبالتالى بقيت قدام مشكلة كبيرة وكان لازم أحلها».
أول مصنع بدأ العمل فى داخل الروبيكى كان فى شهر أغسطس 2017، وكانت «مدبغة الجنيه» الخامسة فى الترتيب، وتم تجهيز المصنع بالكامل فى 14 شهراً، مثلما أوضح «صاحب المدبغة»، وأضاف أن نسبة 75-80% من وارد الجلد المصرى يُصدر جلوداً مُصنعة، والمتبقى يدخل السوق المحلية، وبدأ 40 مصنعاً العمل فعلياً فى الروبيكى من أصل 195 مصنعاً فيها، وأشار إلى أنها تضم منطقة خاصة للمطاعم والمحلات التجارية، بالإضافة إلى تخصيص مكان لمحلات الكيماويات، ومجمع خدمى وبنوك للتسهيل على الموجودين داخل الروبيكى. يُعانى «مصطفى» من أزمتين فى العمل داخل الروبيكى، أولهما حسبما أوضح فى التنافس غير العادل مع من يعمل حتى الآن فى مجرى العيون، قائلاً: «بيشتغلوا فى مجرى العيون بتكلفة أقل من تكلفة الروبيكى، وده تنافس غير عادل، لأنه على عكسى المياه عندهم بلا ثمن وكذلك مواصلات العمال، والنظافة، وبالتالى فى المجمل تكلفته أقل، ولو فرق 1% من الممكن النسبة هذه تطلعنا من السوق»، أما العقبة الأخرى كانت فى تصدير الجلود، حيث أكد أنه لم يتم استخراج الرخصة له حتى الوقت الحالى: «شغال هنا من 9 شهور ومش قادر أخلص الأوراق وأستخرج الرخصة، وبسبب الروتين بتواجهنا مشاكل كبيرة فى التصدير، ولكى أصدر فى كل مرة محتاج أطلع ورق وأدفع مبالغ كبيرة لأن مش معايا رخصة».
«حمدى»: نحتاج نقطة إسعاف لعلاج إصابات العمال.. وشركة أمن خاصة للحراسة.. و«سعد»: نمر بفترة انتقال هى الأصعب.. وتسكين العمال ونقلهم من أهم الأولويات
على مساحة ألفى متر تعمل مدبغة «الشعار» لصاحبها الدكتور «محمد حمدى الشعار» نائب رئيس غرفة صناعة الجلود التى حصل عليها بواقع قطعتى أرض منفصلتين، ورغم أنها تعمل بالفعل إلا أن بعض الماكينات فيها معطلة لاحتياجها لقطع غيار أو فنيين، حسبما أكد «حمدى» أثناء مروره بين العمال لمتابعة سير العمل، موضحاً أن مدينة الروبيكى أفضل وأنظف بالنسبة له عن سور مجرى العيون، وأنه من الطبيعى أن المدينة الصناعية تكون بعيدة عن المناطق السكانية، وهو ما يحدث فى العالم بأكمله وتحديداً على أطراف المدن.
كان التخوف الوحيد أمام «حمدى» أثناء التفكير فى نقل المدبغة هى السيولة المادية والتكاليف الباهظة، على الرغم من توفير الحكومة للمكان ومصاريف النقل، مثلما أكد، مضيفاً: «رغم كده كانت علينا مصاريف كتيرة غيرها مثل فك وتركيب الماكينات، وأثناء الفك والتركيب فى حاجات كتيرة تعطلت، وهذا طبيعى لأننا بننقل مدبغة بالكامل»، موضحاً أن أصعب فترة كانت أثناء توقف العمل 6 أشهر تم خلالها نقل المدبغة، قائلاً: «عندى عمال بتاخد فلوس ولا نستطيع الاستغناء عنهم وكل واحد منهم وراءه أسرة، ولو تركونى مش هيلاقوا مكان تانى يشتغلوا فيها، وكانت أكتر حاجة مخوفانى هذه الفترة لأن عندى 30 عامل، متوسط دخل الواحد 150 جنيه فى اليوم، وفيه عمال يوميتها على حسب إنتاجها، ولازم ياخدوا اليومية طول فترة التوقف».
فى البداية قام صاحب مدبغة الشعار بتأجير «مينى باص» لنقل العمال من وإلى الروبيكى يومياً وكانت تكلفته 600 جنيه يومياً، لكن مع زيادة أسعار الوقود تراجع عن تلك الخطوة، متابعاً: «مع الزيادة هذه الموضوع بقى صعب جداً وماقدرتش أستحمله، وبدأ العمال يركبوا أوتوبيس هيئة النقل العام بتذكرة 5 جنيه، ووصل عدد هذه الأوتوبيسات إلى 4 منهم اتنين بيعطلوا دايماً فى الطريق».
أما عن الخدمات والمرافق داخل الروبيكى فكان لـ«حمدى» رأى آخر، حيث أكد أنها تضم وحدة إطفاء ولكن ينقصها نقطة إسعاف ثابتة، وأضاف: «الناس بتتسرق وأنا عن نفسى لدىّ كلاب وغفر من أجل حراسة المدبغة، وفى مدبغة هنا اتفتحت وخدوا منها جلد وحملوه على عربية، لكن الحمد لله اتمسكوا بعدها بفترة»، موضحاً أنه يوجد نقطة شرطة ولكنها لا تكفى، وأن المدينة تحتاج إلى شركة أمن خاصة داخل المدينة وعلى البوابة: «مفيش أمن على البوابات وأى حد يقدر يدخل لأنه مفيش حد بيسأل رايح فين وجاى منين»، وأشار إلى أن مستوى النظافة وطرق التخلص من المخلفات ومعالجة مياه الصرف تحتاج إلى تطوير وتحسين، بالإضافة إلى مشكلة انقطاع المياه: «بتسبب لى مشاكل كبيرة فى الشغل والجلد بيبوظ لأنه معتمد فى صناعته على المياه».
أما مدبغة «تيمكس» لصاحبها المهندس أشرف يسر، فلم تبدأ فى العمل بعد، ومُتوقفة على السيولة المادية التى من خلالها سيحصل على 3 براميل من الأحجام الضخمة من إيطاليا، حسبما أوضح «عادل سعد»، مدير المدبغة، جالساً على مكتبه يتفحص بعض الدفاتر والأوراق، قائلاً: «المكان هنا كويس ولكن تعوقه التكاليف الباهظة فى كل المرافق والخدمات»، موضحاً أن القلق فى البداية كان طبيعياً لأن المكان جديد وفى وسط الصحراء ولا أحد يعلم عنه شيئاً، فى نفس التوقيت كان الجميع ناجحاً فى المقر القديم بمجرى العيون، متابعاً: «الوضع فى مجرى العيون كان أفضل فى بعض الأمور، وكانت أهم ميزة أنه فى وسط المدينة، لكن هنا مدينة الروبيكى مشروع للمستقبل». ويرى «مدير المدبغة» أن هناك بعض الأزمات تحتاج إلى حل سريع من ضمنها، أزمة العمال والمواصلات وبُعد المدينة، قائلاً: «دى تكلفة كبيرة علينا، ده غير مرافق المياه والكهرباء تكلفنا أكثر مما كنا ندفعه فى سور مجرى العيون»، ويطالب «سعد»: «بسرعة تسكين العمال فى مساكنهم المُخصصة، لأن الوضع أصبح صعباً للغاية على العمال»، موضحاً أن ما تحتاجه المدينة حالياً هو نقطة إسعاف، مضيفاً: «تبقى موجودة داخل الروبيكى بشكل دائم، لأن إصابات العمال فى المهنة دى كتيرة، وياما حصلت إصابات كتيرة لما كنا فى سور مجرى العيون».
موضوعات متعلقة
عمال المدابغ فى انتظار السكن وتحسين الخدمات: «بنضيّع عُمرنا فى المواصلات»
«الروبيكى للجلود».. نهضة صناعية تشرق من بدر (ملف)