(1)
أحد السادة رؤساء المدن المصرية قرر مواجهة أزمة البطاطس بمبادرة شخصية يتولى فيها بنفسه الجانبين النظرى والعملى، فقام سيادته بشراء طن بطاطس من سوق الجملة، ثم وقف يبيعه فى أسواق المدينة التى يرأسها، وقال للصحافة إنه حقق مكسباً جيداً من بيع هذه الكمية التى اشتراها المواطنون فى يوم واحد بسعر ستة جنيهات فقط للكيلو، بينما كان المعروض فى الأسواق يباع بضعف هذا الثمن. وقال السيد رئيس مجلس المدينة إنه سوف يشترى طن بطاطس كل يوم ويتولى بيعه بنفسه لإخوانه المواطنين لإنقاذهم من جشع التجار. وكانت وزارات أخرى قد شاركت فى حملة البطاطس، مما أدى للتداخل والتنافس بين حملة 100 مليون صحة وحملة 100 مليون كيلو بطاطس!
(2)
مع كل الاحترام للأعمدة السبعة، التى وردت فى كتاب الأستاذ الدكتور ميلاد حنا وصارت محوراً لمؤتمر دولى مصرى فى شرم الشيخ، ومع كل الاحترام للصحف التى تسابقت فى عرض هذا الكتاب والإشادة بمحتواه، لم يقل أحد حتى الآن كيف امتزجت هذه الأعمدة وصنعت الشخصية المصرية التى نراها فى الوقت الحالى، أو التى نقرأ عنها فى العصور القريبة الماضية.
هل نملك -مثلاً- براعة المصريين القدماء فى الفنون المعمارية والهندسية والطبية؟ هل تعلمنا الديمقراطية من الإغريق الذين عاشوا بيننا فى القرون الثلاثة الأخيرة قبل الميلاد وأسسوا مدناً خاصة بهم ذات مجالس نيابية وتشريعية لم يتوصل المصريون لأمثالها حتى العصر الحالى؟ هل أخذنا عن الرومان الذين حكمونا لستة قرون متواصلة شيئاً من التسامح الدينى أو حرية العبادة أو نظم الإدارة؟ هل فرض المصريون شخصيتهم الوطنية على الغزاة العرب وأجبروهم على إشراك العنصر المصرى فى الحكم والإدارة والجيش، بدلاً من المماليك الذين استوردهم العرب للمساعدة فى حكم مصر، فاستولوا عليها وحكموها بدلاً منهم؟ وهل ثمة أى عائد إيجابى تحقق للمصريين من خضوعهم لحكم الدولة العثمانية؟ وهل نجح محمد على وأسرته فى تحويل إنجازاته العسكرية والمدنية إلى تنمية بشرية حقيقية ومستدامة، تتكون من خلالها شخصية مصرية واضحة المعالم، قادرة على نهوض حقيقى لهذا الوطن؟
وبعيداً عن التعقيدات التاريخية والسياسية والعقائدية: هل المواطن المصرى العادى فى العصر الحالى يمثل مزيجاً من حضارة مصر القديمة وحضارة اليونان والرومان والحضارة العربية والثقافة القبطية ومميزات إقليم البحر المتوسط وخصائص قارة أفريقيا؟ قد يملك بعض المثقفين النخبويين إيجابيات هذه الانتماءات أو شيئاً منها، ولكن الشعب المصرى الكريم يعانى أزمة هوية منذ توحيد القطرين، وحتى أزمة البطاطس الحالية. ولو كنا بالفعل نتاج الأعمدة السبعة لما كنا لنتوقف أمام سلعة ارتفع ثمنها، بينما نعانى أزمات قاتلة فى كل أو معظم مكونات العقل الجمعى لهذه الأمة! والمؤسف أن الحكومة تخاطب معدة الشعب وتستجيب لها أكثر بكثير من مخاطبة عقله ووجدانه وكرامته!
وللحديث بقية