ما أصعب الحياة فى وطنٍ الخائنون له أكثر بكثير من المخلصين.. حتى أصبحنا قليلين حول الوطن وكثيرين حول الخيانة.. استاء معظمنا من نشر التسريبات الخاصة بالمكالمات التى كانت بين رفقاء الميدان؛ صفوة الثوار المشاهير؛ لأنها تُعدّ دليلاً قوياً على أن مصر بعد ثورتى 25 يناير والـ30 يونيو ما زالت فى مرحلة اللادولة واللاقانون، وأننا بصدد الدخول فى نفق مظلم لا نعلم مداه، ولكن فضولنا الثورى وشغفنا بمعرفة الحقيقة جعلنا رغماً عنا نستمع لهذه التسريبات التى أصابتنا بالصدمة.
من منا بعد سماعها لم ينتابه شعور بالمرارة لأنه تم خداعه؟! عفواً لم يتم خداعنا فقط.. احنا اتضربنا ضربة مدوية على قفانا.. و بعد هذه الضربة التى لم أفق منها حتى الآن أجد ضربة أخرى أتلقاها على نفس القفا ألا وهى أن رفقاء الميدان الثوار انقلبوا على بعضهم البعض وبدأوا فى نشر الفضائح الخاصة بكل منهم فتحولوا من ثوار أحرار إلى ثوار أعداء.. فجلست بينى وبين نفسى أسترجع ذكرياتى مع أحداث ثورة يناير التى كانت ضد دولة مبارك وعصابته مروراً بالمجلس العسكرى وصولاً لثورة الـ30 يونيو ضد الإخوان الإرهابيين.
بعض هؤلاء الرفقاء الذين أعرفهم عن قرب، حيث جمعنا الميدان فى أيام الاعتصامات الهادئة أو مظاهرات اليوم الواحد، اكتشفت أننى، فى خضم الأحداث وسخونتها فى الميدان حيث الضرب وقنابل الغاز والخراطيش والاشتباكات، لم أرهم معنا بمعنى «اننا احنا كنا بنموت فى الميدان والرفقاء منورين على الفضائيات» يتحدثون بكل بجاحة عن الثورة وشهدائها بل ويزايدون على ثورية المختلفين معهم ويشككون فى وطنيتهم.. وإذا بهم يعقدون تحالفات هنا وتربيطات هناك وينشئون أحزاب يميناً وائتلافات شمالاً.. كل هذا ونحن نواجه الموت فى الميدان. وعندما تحدث أى اشتباكات أجد هؤلاء اختفوا من المشهد تماماً.. وعلى الجانب الآخر أجد صفوة آخرين يتصارعون يومياً ويتفننون فى نشر فضائح كل منهم دون أى احترام ولا تقدير لدم شهداء هذه الثورة الذى راح هدراً، الذين هم رقصوا على جثثهم واشتهروا بالمتاجرة بدمائهم.. هذه الثورة التى كان قلبها وعقلها ثواراً أحراراً لا يتطلعون إلى منصب ولا سلطة ولا شهرة بل كان حلمهم أن تكون مصر أفضل فى كل شىء، فى حين أن الآخرين كانوا يجلسون معاً لتقسيم تورتة هذه الثورة على حساب دمائنا وأرواحنا.
كل ما سردته سابقاً جعلنى أتيقن من أن بين كل منا خونة.. داخل الثورة خونة.. داخل أجهزة الدولة خونة.. بين أصدقائنا خونة …بين رفقاء الميدان خونة.. حتى أصبحت الخيانة طبعاً وأسلوب حياة.. لم ولن أندم على ثورة يناير فهى التى حررتنا من الخوف، ولولاها ما كنا تخلصنا من الإخوان، فأهدافها نبيلة وطنية نابعة من شباب حر جرىء حتى وإن لطخها بعض السفهاء الخونة.. فهؤلاء أثبتوا لنا أننا جميعنا خرفان، ولا أستثنى أحداً، لأننا صدّقنا أمثالهم يوماً من الأيام.. وأود فى النهاية أن أوجه رسالة للقائمين على حكم مصر.. أقول لكم كما قال الشاعر الرائع أحمد مطر: «إن لم يكن بنا كريماً آمناً.. ولم يكن محترماً.. ولم يكن حراً.. فلا عشنا ولا عاش الوطن».. أظن كده الرسالة وصلت.