أعمام وأخوال لكنهم آباء: اللى له ضهر.. ما ينضربش
فرغلى محمد إسماعيل
«الأم والأب اللى ربوا مش اللى خلفوا».. ينطبق هذا المثل الشعبى تماماً، مع من ضحوا بأعمارهم وأموالهم وسنوات حياتهم، فى سبيل تربية ورعاية أبناء من رحل من أشقائهم، ونجحوا فى إتمام المهمة، التى اختارهم لها القدر.
هزم السرطان الأم، وهى لا تزال فى ريعان شبابها، فرحلت وآخر كلماتها وصية لشقيقها «الولاد أمانة فى رقبتك»، وهنا بدأ فرغلى محمد إسماعيل، 59 عاماً، رحلة تربية أطفال شقيقته الخمسة، 4 بنات وولد، فى قريتهم الصغيرة بسوهاج، منذ عام 1992، وحتى الآن.
احتضن إسماعيل وزوجته «ابنة خالته»، أطفال شقيقته الراحلة، بين أبنائهما الصغار، بعدما تزوج الأب من أخرى بعد وفاة الأم مباشرة، وفقاً لما تقوله سيدة محمود، مُدرسة، 32 عاماً، التى تتذكر أنها عندما بلغت 5 أعوام، أخذها أبوها عنوة للعيش مع زوجته لتخدمها وهى تعاملها بلا رحمة، ولم ينقذها إلا الهرب لتعود إلى حضن خالها مرة أخرى «خالى علّمنا كلنا، ووصّلنى للتعليم الجامعى، وعمره ما فرق بينا وبين ولاده».
وتضيف «سيدة»: خالى، أو «أبى الحقيقى»، أنفق علىّ أنا وأخوتى ولم يبخل علينا بأى شىء، وتكفل بنفقات زواجى واثنتين من شقيقاتى، وأخى، رغم أنه شخص بسيط، يعمل موظفاً فى الوحدة الصحية صباحاً، وفلاحاً فى الحقل بعد الظهر، أما أبى الذى تركنا صغاراً وتزوج، فلم ينفق علينا «ولا مليم» طول حياته.
«فرغلى»: «ربيت ولاد أختى الـخمسة لحد ما اتجوزوا» «إيمان»: قصّرت فى حق ابنى لرعاية ابنى شقيقتى بمساعدة زوجى.. و«جيهان» مات والداها وكل العائلة شاركت فى تربيتها.. وابنة خالها: لها 100 ضهر تتسند عليهم
منذ تزوجت «سيدة»، لم تنقطع عن بيت خالها، تزورهم باستمرار، وتترك أبناءها لزوجة خالها كل صباح ترعاهم حتى تنتهى هى من عملها فى المدرسة «ترعى أبنائى كما كانت ترعانا ونحن صغار، هذه العلاقة الاستثنائية بطلها خالى، الذى لم يبخل على أى منا، لا نحن ولا زوجته ولا أبنائه، بحبه وماله، وظل يدللنا جميعاً حتى كبرنا، وقد عوضنا عن غياب أمنا بالموت، وهرب أبونا من مسئولية رعايتنا بالزواج من أخرى».
تتذكر «سيدة» موقفاً لزوجة خالها «عندما كنا أطفالاً، استعان والدى بشيوخ القرية لأخذنا للعيش معه، فرفضنا وظللنا نصرخ واختبأنا بعيداً، لكن الجلسة الودية حكمت بذهابنا مع أبى، وقتها زوجة خالى تركت البيت وقالت له: مش هرجع غير لما ترجع لى عيالى».
ضحك «فرغلى»، على ما تذكرته «سيدة» قائلاً: «زوجتى بنت خالتى، وشقيقتى الله يرحمها كانت بتحبها وروحها فيها»، مضيفاً أنه فقد شقيقتيه بين عامى 1986 و1992: «كانتا عزوتى وأنا كنت الولد الوحيد».
ويستطرد: أختى كانت ترعانى وتحبنى بشدة، ولما كبرت وتزوجت كانت تترك أولادها وتأتى لتطمئن علىّ، ولم تبخل علىّ بشىء، لذلك لم أبخل على أبنائها و«الحمد لله رزقهم كان واسع، وربنا فضل ساترنى لحد ما اطمنت عليهم فى بيوتهم، وبيتى مفتوح لهم فى أى وقت، وأنا ربيت أبنائى على أن أبناء عمتهم أشقاء، كلهم قطعة من روحى ولا يمكن أن أفرط فيهم أبداً».
فى حكاية أخرى لعبت إيمان محمد، 49 عاماً، دور الأم فى حياة طفلى شقيقتها، واضطرت إلى النزول للعمل لتلبية مطالبهما، مع ابنها الوحيد، الذى رفضت الإنجاب بعده، لتستطيع رعاية ثلاثتهم «لم أفرق بينهما وبين ابنى وكنت بوفر لهم كل شىء أكل وشرب ولبس وتعليم»، وتضيف: «تخرج أحدهم فى كلية الألسن، والآخر فى التجارة وتزوجوا، اشتريت شقة لأكبرهما ليتزوج فيها، واستعد لشراء أخرى للصغير، ومازلت أسدد ديونهما، وأرعاهما حتى النهاية».
ترى «إيمان» أنها أدت رسالتها بنجاح، بمساعدة زوجها، الذى لعب دور الأب، لنجلى شقيقتها، طوال 15 عاماً، وحتى الآن، مؤكدة «ضحيت براحتى وأموالى وأحلامى من أجلهما حتى ابنى قصرت فى حقه، ووالدهما تركهما دون حتى إن يسأل عنهما».
وأشارت «إيمان» إلى أنها تلعب هذا الدور من قبل رحيل أختها «روحهما فىّ، لم يشعرا أبداً أنى لست أمهما، لكن زعلت لما تزوجا وانشغلا وأهملا فى السؤال عنى والاطمئنان عليّ، وفى النهاية لا أتمنى لهما إلا الخير».
فى مدينة المحلة الكبرى، بمحافظة الغربية، بدأت رحلة «جيهان» مع «اليتم»، فتوفيت والدتها بسبب السرطان، قبل أن تكمل عامها الثانى، وبعد الأم بعام واحد فقط رحل الأب، لكن العائلة لم تتركها لقسوة الحياة، وانتقلت رعايتها إلى الجدة، ثم خالها الأصغر وبعده خالها الأكبر، وساعدتهما الخالات الثلاث، وفقاً لما روته ابنة خالتها جيهان، سمر إبراهيم، مضيفة: «دى بقى كان ليها أكتر من أب وأم، ما نقدرش نقول واحد بس اللى رباها».
«سمر»، التى تكبر «جيهان» بـ6 سنوات، كانت تمارس معها دور الأب أحياناً، موضحة أن ابنة خالتها تلقت تعليمها فى مدارس لغات، وكانت متفوقة، فحصلت على مجموع كبير واختارت الالتحاق بكلية الهندسة.
واستطردت: ولما تزوجت وقف الجميع إلى جوارها، حتى إن «زوجها يخاف يقولها كلمة واحدة، لأنه يعرف إن ليها 100 ضهر تتسند عليه»، مضيفة: «أنا أقرب حد ليها فى بنات العيلة وأسرارها كلها معايا، والكل بيتخانق عليها حتى بابا لما كان يحصل لها موقف، ينهار من البكا ويقولها إنتى بنتى».