زواج عرفى.. وطلاق صورى.. وإخفاء بيانات.. ألاعيب "المواطن" لصرف معاش دون حق
موظف يصرف معاش أحد المستحقين
«زواج عرفى غير موثق»، و«طلاق على الورق فقط»، و«إخفاء بيانات عن العمل».. كلها حِيل يلجأ إليها عدد من المواطنين بدعوى استمرار صرفهم لمعاش الأب أو الأم أو الزوج، رافعين شعار «إحنا مش أغنى من الحكومة»، ضاربين بالقوانين التى تنظم عملية صرف المعاش للمستحقين عرض الحائط، ويغفلون فى الوقت نفسه العقوبات التى قد تطالهم حال ثبوت تلاعبهم وإخفاء بيانات مهمة عن الحكومة، فيكونون وقتها مطالبين برد كل ما حصلوا عليه بأثر رجعى، معرِّضين أنفسهم للمساءلة والعقاب.
«الوطن» تعرض حِيل بعض المواطنين لمواصلة صرف معاش لا يستحقونه، عبر شهادات موظفى التأمينات الذين يتعاملون يومياً مع المواطنين، واستطلعت رأى علماء دين فى جواز الحصول على معاش دون وجه حق، ليأتى الرد رادعاً لكل مَن تسوِّل له نفسه التعدى على حرمة المال العام، حيث اعتبر علماء الدين أن التحايل للحصول على المعاش «حرام شرعاً» حتى ولو كان الدافع المرور بضائقة مالية.
الموظفون يكشفون طرق المتحايلين للحصول على المعاشات
كشف عدد من موظفى التأمينات الاجتماعية أشهر طرق التحايل التى يتبعها غير المستحقين للحصول على المعاش الشهرى، رغم انعدام مسببات الحصول عليه، مثل وفاة صاحب التأمين، وزواج الزوجة بآخر، ووجود نسبة عجز بسيطة مصحوبة بفترة علاج مؤقتة، حيث يتعين على المستفيد الإبلاغ عن تحسن حالته الصحية لوقف المعاش.
وقال أشرف مصطفى، موظف بهيئة التأمينات، إن هناك العديد من الطرق التى يلجأ إليها المواطنون للحصول على المعاش بالمخالفة للقانون، وعند اكتشافها يتكبد المخالف غرامة كبيرة تصل إلى دفع المبالغ التى حصل عليها من تاريخ المخالفة إن استطاعوا إثبات تاريخها، وفى حالة عدم إثباتها بشكل رسمى يتعين على المخالف دفع غرامة بأثر رجعى من تاريخ أول معاش حصل عليه.
وتابع: «المخالفات كتير وصعب نقدر نرصدها كلها، لكن من أشهر القصص اللى قابلتنى كانت ست بتقبض معاش عن أبوها المتوفى لمدة سنة وهى متجوزة، وفضلت تاخد المعاش بشكل شهرى باستخدام الفيزا الخاصة بالأب، وعند تحديث بيانات الموظف طلب يشوف أبوها، فقالت إنه مات من سنة، وإنها ماكانتش تعرف إنها لازم تبلغ علشان يوقفوا المعاش».
«أنا شغالة بقالى أكتر من 20 سنة فى التأمينات وقابلت ناس كتير حاولت تتلاعب بالقانون لكن فى الآخر محدش منهم بيفلت، يعنى مرة فيه حالة كانت مستحقة للمعاش عن أبوها، وكانت أكبر اخواتها، وبعد كده اتجوزت ومابلغتش التأمينات، وفضلت على الحال ده 5 سنين وأكتر لحد ما واحدة من الجيران كانت بتعانى من نفس المشكلة، والتأمين وقف المعاش لما اتجوزت، فجات قالت اشمعنى جارتنا لسه بتقبض، وبرضو متجوزة ونفس حالتى، فطبعاً بلغنا الشرطة بوجود مخالفة وعملوا تحريات، وبالفعل كانت متجوزة وبتقبض المعاش، وبعد كده اتوقف المعاش ودفعت غرامة 12 ألف جنيه، وكل ده بسبب الجهل بالقانون أو محاولة التلاعب، وده بيكلف المخالف كتير لدرجة إنه بيندم على تصرفه ده، لأنه بيقبض شهر بشهر، مبلغ قليل يعنى، لكن الغرامة بتندفع كاش»، هكذا روت سحر أحمد، موظفة بالتأمينات، بعض تفاصيل حالات التلاعب.
"عادل": "صادفت حالة بتاخد مرتب كبير ومعاش من صندوق خاص وآخر من الحكومة".. و"أشرف": "سيدة فضلت تقبض عن أبوها المتوفى لمدة سنة بالفيزا"
وأوضحت أن هناك بعض الحالات التى لا ينطبق عليها شرط الكاش، وهى الحالات التى يثبت أنها ارتكبت المخالفة عن غير عمد، كما حدث مع حالة فتاة فى أواخر العشرينات من عمرها، وعن هذه الحالة قالت: «البنت كانت بتاخد معاش ولما وصلت سن 26 سنة فضلت تاخده عادى لأن قانون المعاشات للبنات بيسمح بتجاوز سن 26 عكس الذكور، وده بيكون فى حالة عدم الزواج وعدم العمل، فالبنت كانت بتشتغل فى مصنع قطاع خاص من غير تأمين وفاهمة إن ده عادى والتحريات أكدت إنها بتاخد مرتب شهرى، ولكن لسوء ظروفها المادية دفعت الغرامة بالتقسيط ودى كانت حالة استثنائية».
وأضاف عادل خالد، موظف بالتأمينات: «حالات التلاعب كتير، لكن من أغرب الحالات اللى صادفتنى فى شغلى كان فيه واحدة بتاخد معاش عجز نسبى، وفضلت بالعجز ده 3 سنين، وبعد كده خفت، لكن مابلغتش بزوال سبب المعاش وفضلت تقبض عادى، وطبعاً ماكانتش بتروح أصلاً تقبض بنفسها بداعى العجز، واتضح فى الآخر إنها خفت وبتشتغل كمان، دفعت غرامة كبيرة واتوقف المعاش».
وروى «عادل» تفاصيل حالة أخرى كانت تعمل فى إحدى شركات القطاع الخاص، ولها كادر خاص بها فى التأمين، ولم يكن يتم وضع المؤمّن عليه فى سجل التأمينات للشركة سوى بعد انقضاء مدة خدمته أو بلوغه سن المعاش، وتابع: «فيه بعض الشركات مابتأمّنش على الموظف من الأساس، وهنا بتكون كارثة لأنه بيقبض كده معاش لابوه مثلاً ومرتب من الشركة اللى بيشتغل فيها، وده حصل مع حالة كانت بتشتغل فى قطاع حكومى بس بكادر خاص، وبالصدفة كانت بتعمل برنت تأمينات فاكتشفنا إنها مؤمّن عليها والتحريات أكدت إنها بتاخد مرتب كبير، ده غير معاش من صندوق خاص ومعاش الحكومة كمان».
ورصد عبدالرحمن رامى، موظف بالتأمينات، تفاصيل حالة أخرى بقوله: «ست أرملة كانت بتاخد معاش عن زوجها المتوفى واتجوزت رسمى فاتوقف المعاش، فطلبت الطلاق من زوجها صورياً، وبعد كده المعاش رجع لها تانى لوجود وثيقة الطلاق، ثم اتضح إنها لسه على ذمته عرفياً».
"سحر": "قابلت ناس كتير حاولت تتلاعب بالقانون لكن فى الآخر محدش منهم بيفلت.. والمخالف بيقبض شهر بشهر وبيدفع الغرامة كاش"
وكشف عدد من موظفى التأمينات عن طرق بعض المنتفعين للتحايل على اللوائح والقوانين، ومحاولاتهم الحصول على معاش أقربائهم، رغم عدم استحقاقهم له، خاصة بالنسبة للفتيات اللاتى يتقاضين معاشات آبائهن، ويتلاعبن من أجل عدم إبلاغ التأمينات بزواجهن أو حصولهن على فرصة عمل، إذ يتوقف المعاش فى كلتا الحالتين طبقاً للقانون.
تقول منال على، 45 سنة، موظفة بالقطاع الحكومى لهيئة التأمينات، إن الربط بالحكومة الإلكترونية يسهّل عليهم تنسيق البيانات وتحديثها فى حالات المشتغلين، أما فى حالات الزواج فحتى اليوم لا ربط بينهما: «هيئة التأمينات بتبلغنا بالمؤمن عليهم فور اشتغالهم وصدور الرقم التأمينى لهم، وإحنا بدورنا بنحصل على ملفاتهم وبنحدّثها، ولو ليهم معاش، بنوقف حصتهم، وبتروح لباقى المنتفعين من الورثة إذا وجد».
أما فى حالات الزواج فيبدو الوضع أكثر تعقيداً، حيث توضحه «منال»: «يوقف القانون حق المتزوجة فى معاش والدها أو والدتها، سواء كان الزواج رسمياً أو عرفياً، فى المقابل تحصل على منحة مستحقة بقيمة سنة من المعاش المعتاد صرفه، ويتم صرفه من مكتب التأمينات التابعة له عند تقديم وثيقة الزواج»، بينما تفضل العديد من المتزوجات عدم إبلاغ التأمينات بزواجهن، لضمان استمرار المعاش.
أما فى حالة الزواج العرفى، فتلخص «منال» مشاهداتها، قائلة: «فيه بنات بيتجوزوا عرفى، وبعدين رسمى، ولما بتتجوز رسمى بتبلغنا وتجيب وثيقة الجواز الرسمى اللى موثق فيها سنة الزواج العرفى فبيتحسب عليها مديونية كبيرة بأثر رجعى لدفع قيمة المعاش، إلا إذا كانت قيمة منحة الزواج تغطى قيمة المديونية، لكن ده فى حالة أنها المستحقة الوحيدة، أما إذا وجد منتفعون آخرون زى الأخوات، أو أحد الوالدين، بتقع المديونية وبتتحول حصتها ليهم».
«حامل من الحرام، مالكش دعوة، انت ليك الورق».. كان ذلك آخر طرق إحدى المنتفعات للاحتفاظ بمعاش والدها، رداً على موظف التأمينات، حين سألها عن إقرار عدم الزواج الذى يتنافى مع ما يراه، حسب ما ترويه «صفاء. أ»، موظفة بقطاع التسويات بهيئة التأمينات، عند رصد بعض طرق التلاعب للاحتفاظ بالمعاش، حيث تقف الفتاة ويظهر عليها الحمل بعد الإقرار بعدم زواجها، فيما يسعى موظفو الهيئة لمعرفة الحقيقة فى تلك الحالات المشابهة، فتقول «صفاء»: «ساعات كتير بنبعت لمأمور القسم التابع ليه المنتفعة علشان يتحرى عن زواجها عرفياً أو رسمياً، لكن أحياناً لا تصدق التحريات، وفى كثير من الأحيان، تتمكن الفتيات من الاتفاق مع العاملين فى القسم لإنكار الزواج».
أما عن خدعة الطلاق الصورى، فيرفع السيدات شعار «أنت ليك الورق» مرة أخرى، تروى «صفاء»: «صادفت إحدى السيدات تقدم وثيقة طلاقها لاستعادة المعاش، وذلك بعد أن حملت، وعند صرف المعاش فوجئت بأنها توكل زوجها السابق لصرف المعاش، لاحظت عند تحرّر استمارات الصرف بأن الزوج المطلق هو نفسه الوكيل، وذلك ليس المتعارَف عليه فى مجتمعنا بأن يظل الطليقان على علاقة جيّدة، بل تسمح له بصرف معاش والديها». وفى سبيل اقتناص مبلغ المعاش الشهرى قد يلجأ البعض إلى التزوير أحياناً، حيث تروى «صفاء» واحدة من أكثر التجارب تأثيراً فى ذاكرتها: «أتذكر من عدة سنوات، جاءت سيدة لتقديم وثيقة طلاقها، لاستعادة الحصول على المعاش، وبالفعل تم صرف المعاش لها، إلى أن جاء أحدهم وقدّم لى وثيقة زواج عرفى عليها إمضتها، ونفى أنهما مطلقان»، لم تستسلم السيدة لذلك العقد حسب رواية «صفاء»، لكن الحل دائماً موجود: «عادت السيدة مرة أخرى بعد توقف المعاش، وأصرت على تقديم إقرار تانى يفيد بأنها مش متجوزة وإنه بيشهّر بيها، لكن لاحظت أن إمضتها على الإقرار هى نفس الإمضاء اللى على ورقة الزواج العرفى».
فى مثل تلك الحالات يلجأ موظفو التأمينات إلى قطاع الشئون القانونية، حيث إنهم لا يملكون حق تحويل مثل تلك الوقائع إلى النيابة الإدارية أو العامة، لكن عند تحويل الحالتين السابقتين توضح «صفاء» قرار الشئون القانونية، قائلة: «الشئون قالت نصرف لهم، وماعنديش معلومة لو هم ليهم حق التحويل للنيابة أو لا».