80 مصنعاً تواجه خطر الإغلاق.. والحل فى المناقصات الحكومية
أطنان الورق المستورد بمخازن الجمرك تستعد للانقضاض على المحلى
«80 مصنعاً فى مصر تعمل فى إنتاج كافة أنواع الورق، فيما عدا ورق الصحف، وهناك 20 مصنعاً آخر فى طريقها للتركيب، كلها مهددة بالتوقف والإغلاق»، هذا ما يكشفه المهندس مصطفى عبيد، نائب رئيس مجلس إدارة شعبة الورق باتحاد الصناعات، ورئيس إحدى الشركات الخاصة لإنتاج الورق.
«عبيد» أكد لـ«الوطن» أن كل شركة أو مصنع من هذه المصانع يمكن أن يكون له مشاكله الخاصة نتيجة لطبيعة المواد الخام والآلات التى يستخدمها، لكن هناك مشاكل يشترك فيها الجميع، ويأتى على رأسها مزاحمة المستورد للمنتج المحلى وانخفاض أسعاره.
وأشار إلى أن انخفاض أسعار المستورد أثر على صناعات الورق الوطنية ليس فيما يتعلق بورق الكتابة والطباعة فقط، وإنما فى مجال الورق الصحى، وورق التغليف بكافة أنواعه، بما فى ذلك ورق «الكرافت» الداخل فى صناعة «الكرتون المضلع» الذى يُستخدم على سبيل المثال فى تغليف الأجهزة الكهربائية.
رئيس الشعبة: نستورد 50% من ورق الكتابة والطباعة و100% من ورق الصحف.. و"عبيد": البعض يستورد نوعيات "درجة ثانية وثالثة" لمضاعفة الأرباح
وقال: «هناك أعداد كبيرة من المستوردين يستوردون نوعيات راكدة أو درجة ثانية وثالثة أو ما يُعرف بـ«الاستوك» من ورق الكتابة والطباعة وورق الصحف، فضلاً عن «الورق الصحى»، من الأسواق الخارجية، ويستوردونها بأسعار متدنية جداً، لتحقيق مكاسب كبيرة، هذا فضلاً عن أنها «معفاة من الجمارك وضريبة القيمة المضافة».
ولفت «عبيد» إلى أن هناك مستوردين الآن يستوردون ورق الصحف، مستغلين أنه معفى تماماً من الجمارك دعماً من الدولة للصحف، ليُستعمل بعد ذلك فى غير محله لأغراض أخرى، مثل مواد التغليف، وهو النشاط الذى يستهلك كميات كبيرة من الورق ويدخل فى صناعات كثيرة على عكس ما قد يتخيل البعض.
وكشف أن الغرفة اتخذت قراراً قبل نحو 3 أشهر، بحظر استيراد ورق الصحف لغير المؤسسات الصحفية، وتم إرساله لوزارة الصناعة والتجارة، ولم يُتخذ فيه أى قرار حتى الآن.
"خضر": المستورد أهم عقبة.. و"الأوروبى" يدخل بدون جمارك
وكرر «عبيد» هنا تأكيده على ضرورة فرض «رسم وارد» على استيراد ورق الصحف لغير المؤسسات الصحفية، أو حظر استيراده على أى جهة غير المؤسسات الصحفية، أو ما ينوب عنها، فى إشارة إلى «لجنة مشتريات ورق الصحف» التى تتولى التفاوض لشراء ورق الصحف بشكل جماعى.
وشدد على أنه إذا لم يتم الالتفات لهذه المشكلة، وظاهرة إغراق السوق بالمستورد بشكل عام، فإن ذلك سيؤدى لإغلاق المصانع المحلية والوطنية لإنتاج الورق، علماً بأن هذه المصانع استثماراتها كبيرة جداً وعمالتها كثيفة، وتسهم بدور كبير فى سد احتياجات البلد دون الاستيراد، وتساهم فى الدخل القومى للبلد، وحل مشكلة البطالة، مشيراً إلى أن هذه الصناعة واعدة جداً فى مصر إذا حافظنا عليها وجعلناها قادرة على المنافسة على الأقل للاكتفاء الذاتى المحلى، هذا بخلاف إمكانية التصدير للدول الأفريقية.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يؤكد فيه عمرو خضر، رئيس شعبة تجار الورق بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن مصر تستورد أكثر من نصف احتياجاتها من ورق الكتابة والطباعة، الذى يشمل ورق الكتاب المدرسى والكشكول والبلوك نوت، حيث تستهلك نحو 500 ألف طن ورق كتابة وطباعة سنوياً، ننتج منها ما يتراوح بين 200 إلى 230 ألف طن فى أحسن الأحوال.
"البدوى": يجب أن تتدخل الدولة لإنقاذ الصناعة المحلية من التوقف
«خضر» أوضح أن الإنتاج المحلى منه 120 ألف طن تنتجها «شركة قنا لصناعة الورق»، و60 ألف طن تُنتجها شركة «مصر إدفو للب وورق الكتابة والطباعة»، وهذا على أقصى تقدير، حيث إن هذه هى الطاقة الإنتاجية القصوى للمصنعين، أما الـ50 ألف طن الباقية فموزعة على مصانع صغيرة خاصة تعمل أساساً فى خامات «الورق الدشت»، ومنها مصنع «شوتمد» بمدينة 6 أكتوبر، ومصنع آخر فى مدينة بنى سويف.
وفيما يتعلق بـ«ورق الصحف والمجلات»، أكد أنه يتم استيراده بالكامل من الخارج عن طريق مناقصة تديرها لجنة اسمها «لجنة مشتريات ورق الجرائد والمجلات» ومقرها مبنى الإذاعة والتليفزيون، وهى تابعة للمجلس الأعلى للإعلام حالياً، وتضم فى عضويتها مندوبين عن دور الصحف القومية (الأهرام والأخبار والجمهورية ودار الهلال والمعارف)، حيث تعلن عن مناقصة أو مناقصتين فى السنة لوكلاء المصانع الخارجية لشراء ورق الجرائد والمجلات.
وأشار رئيس شعبة تجار الورق إلى أن كمية «ورق الجرايد والمجلات» المستورد تقل كل سنة عن الأخرى، مع تراجع الصحف الورقية، وبينما كانت تبلغ كمياتها من 10 سنوات نحو 100 ألف طن، تراجعت هذا العام لتتراوح بين 20 و25 ألف طن.
ولفت رئيس الشعبة فى الوقت نفسه إلى أن هناك مصانع بدأت فى مصر فى الآونة الأخيرة تصنيع ورق التعبئة والتغليف، كما أن هناك مصنع كرتون حالياً تابعاً لعائلة «الخرافى» الكويتية، و«ماشى كويس»، على حد تعبيره.
وعن أهم التحديات التى تواجه صناعة الورق الوطنية، أكد «خضر» أنها تتمثل فى الانخفاض المستمر فى أسعار الورق عالمياً، ولا سيما بداية من أول يناير الماضى، وهو الأمر الذى كانت نتيجته أن المصانع المحلية خفضت سعرها مرتين خلال الشهرين الماضيين، بمعدل ألف جنيه كل شهر.
وأوضح أن سعر طن الورق المحلى الآن يبلغ قرابة 15700 جنيه، بينما كان فى بداية العام 17700، متوقعاً أن مصانع الورق المحلية ستكون مجبرة على تخفيض أسعارها مجدداً، لتتمكن من منافسة المستورد، الذى لا يزال سعره أرخص بنحو ألف جنيه، وهو ما يعتبره «رقماً كبيراً»، خاصة أن «الخمسين جنيه بتفرق»، على حد تعبيره.
وكشف رئيس شعبة الورق عن أن الجمارك المفروضة على الورق بشكل عام نسبتها 10%، لكن الورق المستورد الأوروبى يدخل بدون جمارك، وذلك طبقاً لاتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبى، وهو ما لا يمكن إلغاؤه أو فرض ضريبة عليه باعتبارها اتفاقية دولية.
وحول حل مشاكل صناعة الورق الوطنية، من وجهة نظره، يقول: «لا بديل عن أن الهيئات الحكومية والصحفية القومية تكون ملزمة بأن تشترى ورقاً محلياً فى مناقصاتها، أخذاً فى الاعتبار أن الورق المحلى مطابق لمقاييس الجودة العالمية، وجيد جداً، بل إن بعض الشركات تُصدّر منه، وخصوصاً شركة قنا».
وأكد «خضر» أن قانون التعاقدات الحكومية رقم 182 لسنة 2018 يقول إنه لو أن الفرق فى السعر بين المستورد والمحلى فى حدود 15%، فلا بد للهيئات الحكومية أن تشترى المحلى، مشدداً على أن هذا الكلام يجب أن يُطبق، ويتم الضرب بيد من حديد على من لا يطبقه، علماً بأن الفرق بين المستورد والمحلى حالياً فى هذه الحدود.
ولفت فى هذا السياق، إلى أن هناك هيئات حكومية لديها «عقدة» مبنية على أسس غير صحيحة من المحلى، ولا بد أن نزيل هذه العقدة، خاصة أن الورق المحلى مطابق لمعايير الجودة والمواصفات القياسية العالمية، رغم أن المصانع المحلية التى تعمل الآن ليست قديمة وتم إنشاؤها فى التسعينات فقط.
ولحل مشكلة صعوبة إلزام المطابع الخاصة بشراء الورق المحلى، أشار «خضر» إلى أنه يمكن إلزامها بتقديم فواتير تشير إلى أنها اشترت الورق الذى أنتجت منه الكتب من المصانع المحلية، لافتاً إلى أنه إذا كنا قلنا إن الدستور ليس كتاباً مقدساً وغيرناه، فإنه يجب أن نعدل أى قوانين أو لوائح بما يتيح دعم الصناعة الوطنية.
وبجانب ضرورة إنقاذ ودعم المصانع الوطنية القائمة بالفعل، أوصى «خضر» بضرورة العمل على إنشاء مصنع آخر أو مصنعين محليين للورق، بتقنيات ربما تتوافق مع مواد خام أرخص، وذلك من خلال مستثمرين عرب ومصريين، للمساعدة فى دعم الصناعة المحلية للورق وتغطية احتياجات السوق المحلية.
وأكد «رئيس شعبة الورق» فى النهاية على أنه إذا ما فرضنا جدلاً أن مصانع الورق المحلية أغلقت أبوابها وتم القضاء على صناعة الورق الوطنية، فإنه فضلاً عن تشريد آلاف العمال وأسرهم، سيكون هناك احتكار خارجى للورق، ومنتجو الورق «هيتفقوا علينا، وساعتها ممكن الأسعار الحالية تضرب فى تلاته، لأنه وقتها لن يكون هناك بديل محلى يوازن السوق».
وفى السياق نفسه، قال مجدى البدوى، رئيس نقابة العاملين بالطباعة، إنه لا بد من سرعة تدخل الدولة لإنقاذ وتطوير صناعة الورق بشكل عام، لافتاً إلى أنه نتيجة لاستيراد ورق الصحف بالكامل وبقية مستلزمات الطباعة من الخارج ارتفع سعر تكلفة الجريدة الورقية إلى 10 جنيهات ونصف الجنيه، فى الوقت الذى أصبح لا يعود للمؤسسات الصحفية سوى جنيه ونصف من عائد بيع الصحيفة، والباقى أصبحت الدولة تتحمله كدعم.
وأشار «البدوى» إلى أن ورق «الكتابة والطباعة» تكلفته تزيد نظراً لوجود مدخلات فى صناعته مستوردة من الخارج، وهو الأمر الذى تفاقم بعد تحرير سعر الصرف، مؤكداً فى النهاية على ضرورة أن تدخل الصناعة مرحلة التطوير، ويتم إعادة هيكلتها ودعم الشركات المحلية القائمة وتطويرها، وبحث إمكانية إنتاج مستلزمات الطباعة محلياً.