"إصدارات بير السلم".. الخطوة الأسرع لـ"الكسب غير المشروع"
الكتب المضروبة أثرت على مبيعات الكتب الأصلية
الكتب المضروبة، أو كتب بير السلم، من القضايا المطروحة للنقاش على طاولة المثقفين والأدباء، منذ سنوات، لأنه مع بداية عام 2011، ومع غياب الرقابة زادت الظاهرة بشكل ملحوظ، حتى أصبحت تنافس الكتب الأصلية ونجحت فى أن تصبح هى المفضلة لدى نسبة كبيرة لا يستهان بها من الشباب، لكن المثير فى الأمر أنه رغم اختلاف الكتّاب حول أسباب الظاهرة بهذا الشكل المخيف، فإن الجميع اتفق على نقطة واحدة وهى أن القارئ ليس طرفاً فى انتشارها.
"إمام": دور النشر تستفز القارئ وأرباحها 10 أضعاف تكلفة الإصدار
عدد من الكتّاب أدلوا بدلوهم فى مناقشة أسباب هذه الظاهرة ووضعوا روشتة علاج لمواجهتها، فأكد الكاتب طارق إمام أن القارئ ليس طرفاً فى معركة الكتب المزورة، طرفاها الأصليان هما الناشر ومزور الكتب، وتابع: «لا يجب إقحام طرف غير مذنب واتهامه بالسرقة لأن من يشترى كتاباً مزوراً يدفع مالاً مقابل الحصول عليه، رغم أنه يحصل على خدمة أقل فى مستوى جودة الطباعة، لذا القارئ فى النهاية زبون يجد سلعة بسعر أرخص فيشتريها، وهو أمر يحدث مع الملابس ومع الأجهزة وحتى الطعام، ولم نر يوماً علامة ملابس مثلاً طلبت من زبون ألا يشترى نظيرتها المزورة ملوحة فى وجهه بالحرام والحلال».
ويرى «طارق» أن الحد من الظاهرة يقع على الناشرين فقط، لأن التزوير سيستمر ونسخ الـPdf ستظل تُطرح طالما سعر الكتاب لا يناسب الطاقة الشرائية للقارئ، موضحاً أن الكتب التى يتم تزويرها هى الكتب الرائجة، فيتم طرح طبعات شعبية منها بأسعار أرخص وهذا لن يؤثر على مبيعات النسخة الأغلى، لأن لها زبونها، بدليل أن دور النشر الأوروبية تطرح أحياناً 3 طبعات، واحدة شعبية والثانية عادية والثالثة Hard Cover ولكل نوع منها له مشترٍ.
ونبه إلى ضرورة الاعتراف بحقيقة غائبة، وهى أن بعض دور النشر تستفز القارئ بأسعار مبالغ فيها، وغير واقعية وبالتالى ليس هناك جدوى من تذكير الناس بالقراءة الحرام أو الحلال فى ظل انتشار هذا الأمر، مضيفاً: «أنا اشتريت بعض الروايات الأمريكية والإنجليزية فى طبعاتها الأصلية بأسعار أرخص من نظيرتها المترجمة فى دور نشر مصرية، لذلك علينا أن نعترف أن الحرام هو أن تنشر كتاباً مكسبه يفوق تكلفته عشرات المرات فى بلد فقير ونامٍ ثم تذكّر الناس بالحرام والحلال وكأنك آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر».
"القعيد": مطلوب تغليظ عقوبة المزورين
ووجه الكاتب يوسف القعيد دعوة للقارئ المصرى بالتوقف عن شراء الكتب المزورة، قائلاً: «تزوير الكتب فعل مجرّم، ونتائجه وعواقبه ستكون سلبية على المجتمع، لأن هذا التصرف يقتل صناعة تساهم فى تطور المجتمع، وحتى لا نخدع أنفسنا أنا غير متعاطف مع عملية تزوير الكتب أو من يقوم بشرائها، ولكننى ضد الهجوم على القارئ أو انتقاده».
وأضاف «القعيد» أن ظاهرة الكتب المزورة تحتاج إلى تعديل تشريعى يغلّظ العقوبة على المزورين، وأن تكون العقوبة متدرجة، من منع المزور سواء كان مطبعة أو دار نشر من ممارسة النشر لمدة 6 شهور، وفى حال تكرار الواقعة يتم منعه لمدة عام ونصف، حتى تصل العقوبة إلى إيقاف نشاطه بالكامل، وتابع: «التزوير جريمة متكاملة الأركان، وتبريرها بأن هذه هى الوسيلة المتاحة لحصول القارئ على جرعة مناسبة من الثقافة والأدب، بسبب الظروف الاقتصادية، تجرؤ غير مقبول، لأن هناك عشرات الطرق التى يمكن أن يصل بها الكتاب إلى القارئ وبأسعار مناسبة جداً».
وطرح «القعيد» عدة حلول لهذه الأزمة أبرزها توفير دعم مالى لمشروع مكتبة الأسرة، وقيام الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، مثل المركز القومى للكتاب، والهيئة العامة للكتاب وغيرهما، بتوفير طبعات شعبية رخيصة للقارئ، مؤكداً أنها حلول بسيطة مقارنة بالأضرار الفادحة التى تنتج عن تجاهلها، مشيراً إلى أنه لا يصح أن نطلب من القارئ أن يتوقف عن شراء الكتب المزورة، دون أن نوفر له البديل، لأننا بذلك ندفعه، خصوصاً الشباب، إلى دائرة جهنمية من الإرهاب والتطرف، ستطول آثارها التدميرية كل أفراد المجتمع.
"فايز": المكتبات العامة أقل من عدد فروع مطعم أجنبي في مصر
وشرح الكاتب والناقد سامح فايز، أحد أبرز من تعرضت كتبه للتزوير، أسباب تفاقم ظاهرة الكتب المزورة، بقوله: «عندما نعود بالزمن إلى الوراء قليلاً سنجد أن ظاهرة تزوير الكتب تتوسع بشكل واضح منذ عام 2011، بعدما حدث تردٍ فى كل الصناعات التى لها علاقة بالقراءة والطباعة، فى ظل ضعف قوانين حقوق الملكية الفكرية، وانتشار فنون القرصنة، وحدوث تراجع كبير فى مشروع «مكتبة الأسرة» الذى كان يعوض ارتفاع أسعار الكتب لدى شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة بنسبة تصل إلى 80%».
وأرجع «فايز» سبب تفاقم الظاهرة مؤخراً إلى أن الكثير من المكتبات العامة التى يتجاوز عددها 104 مكتبات، تابعة لوزارات الثقافة، والتعليم، والشباب والرياضة، وغيرها من مؤسسات ثقافية وتعليمية، لم يعد يتم تزويدها بالعناوين الحديثة والطبعات الشعبية، ففرغت رفوفها لمدة تصل إلى 5 سنوات من أى جديد، وعندما عادت إلى الطبع، لحقت الزيادة بأسعار الورق والطباعة، فمثلاً كتب الهيئة العامة للكتاب تجاوز سعر بعضها 100 جنيه، مع أنها هيئة خدمية غير ربحية.
"روشتة الكُتّاب": دعم مكتبة الأسرة وتوفير طبعات شعبية وتطوير شبكة التوزيع والنقل
واستكمل: «القارئ يريد متابعة الجديد، وأمام عدم قدرته على الوصول إلى الكتب التى يحتاجها تصبح القراءة الحرام حلالاً بالنسبة له، فإذا كان معه 300 أو 400 جنيه هل يشترى بها 12 وأحياناً 16 أم يشترى 4 أو 5 كتب فقط؟ لذا دائرة التدمير الذاتى لصناعة الكتب مغلقة».
وأشار «فايز» إلى الأمر تحول إلى خناقة مستمرة منذ 7 سنوات، لأنه لا يوجد شخص موافق على مبدأ تزوير الكتب، لأنها صناعة تتضرر بشدة من هذا الأمر، وعلى الجانب الآخر لا يمكن تجاهل القارئ، لأنه ليس له يد فى الأزمة، ومن حقه الحصول على الكتب بأسعار تناسبه، رافضاً إطلاق مصطلح «القراءة الحرام» على الكتب المزورة، وتابع: الكل يمكنه المساهمة فى حل الأزمة إذا فكر فى مصلحة الوطن، فالمواطنون يمكنهم إنشاء مكتبات عامة أهلية بجهود ذاتية فى كل حى، توفر الثقافة للجميع بأقل التكاليف، وهذه الفكرة مطبقة فى دول أوروبية كثيرة، وهذا الأمر صار مطلباً شعبياً بعد تأكيد إحدى الدراسات أن عدد المكتبات العامة فى مصر عام 2013 وصل إلى 331 مكتبة عامة، وهو أقل من عدد مطاعم أمريكانا البالغة 385 فرعاً».
وشدد على أن دور النشر مطالبة بتقديم طبعات شعبية من الكتب تناسب ميزانية الأسر المتوسطة، وتطوير شبكة التوزيع والنقل، حتى تصل الكتب إلى القرى والنجوع، ودحض الحجة القائلة إن سبب انتشار الكتب المزورة هو عدم وصول النسخ الأصلية للقرى والمحافظات البعيدة واقتصار انتشارها على القاهرة، مضيفاً: «لو تم تطبيق هذه الحلول مع قيام دور النشر بتزويد المكتبات العامة التابعة للدولة بأحدث العناوين التى قامت بنشرها، سيتم القضاء على ظاهرة القراءة الحرام».