أمين الرافعي.. 133 عاما على ميلاد صاحب القلم
أمين الرافعي يقود المظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي
"يا أمين الحقوق أديت حتي لم تخن مصر فى الحقوق فسيلا، ولو استطعت زدت مصر من الحق على نيلها المبارك نيلا، تنشد الناس في القضية لحنا كالحواري رتل الإنجيلا، ما تبالي مضيت وحدك تحمي حوزة الحق أم مضيت قبيلا".. هكذا كان رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي لأمين عبد اللطيف الرافعي أحد رواد الصحافة المصرية والحركة الوطنية الذي تحل اليوم الذكرى 133 على ميلاده.
في شرق دلتا النيل بمدينة الزقازيق ولد أمين الرافعي، وبها تلّقى تعليمه، الذي أكمله في الإسكندرية، ثم التحق بمدرسة الحقوق في القاهرة وتخرّج منها، وانضم مبكراً إلى الحزب الوطني في عهد مؤسسه مصطفى كامل.
جذبته صاحبة الجلالة إلى عالمها وهو صغير لا يزال طالباً في مدرسة الحقوق، وبدأ في كتابة المقالات، وفي عام 1907، قرر الاحتلال الإنجليزي إقالة ناظر الحقوق الفرنسي لامبير، وعينوا بدلا منه البريطاني هيل رغم أن القوانين المصرية مشتقة من القانون الفرنسي، فاحتج أمين وكتب مقالا حادا "جنازة القانون في مصر"، انتشر بشكل كبير بين النخبة ومنذ ذلك الحين صار الرافعي اسما مطلوبا في عالم الصحافة.
قاد الرافعي مظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي، ولم يمنعه تأثره بمصطفى كامل حين ظهرت حركة الوفد المصري؛ كان هو أقوى أنصارها، وعمل سكرتيرًا مساعدًا للجنة المركزية لـ"الوفد" إبان ثورة 1919، لكنه سرعان ما انسحب لاختلافه مع زعيمها سعد زغلول حول أسس التفاوض مع الإنجليز، ورفض عرض الأخير له بأن يكون السكرتير العام للجمعية التشريعية.
لم يحل اهتمام الرافعي بالسياسية وانشغاله في الحركة الوطنية بين ممارسة مهنته الصحافة، حيث خاض معارك شرسة ضد الاحتلال الإنجليزي وضد استبداد القصر ورفع شعار "الصحافة رسالة وليست تجارة"، عصي على الإخضاع أو الترويض رغم ظروفه المالية الصعبة وذل السجن.
الرافعي كان مؤمنا بأن الصحافة الحرة هي الطريق إلى الوطن الحر، فقد كان قلمه شديد الوطنية وسريع الانفعال بقضايا الوطن الذي يرزح تحت ظلم الاحتلال.
وفي نوفمبر عام 1914، أُعلنت الحماية البريطانية على مصر، كان الرافعي يرأس تحرير جريدة "الشعب"، وفرض الاحتلال على جميع الصحف نشر إعلان الحماية، لكن أمين امتنع عن نشر القرار، رغم حصار البوليس الانجليزي لمقر الجريدة.
قلم الرافعي كان يعتبر علما خفاقا يلتف حوله كل من يخفق قلبه بحب الوطن والرغبة فى الخروج من مأزق الاستعمار، كان يعتنق المبدأ ويؤمن بالعقيدة الوطنية فقد حمل درع الكلمة وأصبحت مقالاته رصاصات فى صدر المستعمر وأملا فى قلوب المصريين، فنشر قرار الحجب يقول: "قررنا نحن احتجاب جريدة الشعب ابتداء من اليوم 27 نوفمبر عام 1914، وذلك لعدم نشر بيان الحماية المشئوم واحتجاجا من الشعب على الحماية البريطانية وعلى ذلك نوقع".
وكتب عبد الرحمن الرافعي في كتابه "ثورة 1919" عن قرار الاحتجاب يقول: "هو أول احتجاج من مصر على الحماية البريطانية وقد وقع في الوقت الذي بلغت فيه صحيفة الشعب ذروتها من حيث الانتشار والرواج والمكانة الصحفية، إذ كانت أوسع الجرائد انتشارا وكان الجمهور يتلقفها بلهف كبير ليعرف منها أخبار الحرب العالمية ويتحسس فيها اتجاه الحركة الوطنية، فكان إيقاف صدورها تضحية كبيرة".
وعقب نشر الرافعي قرار الحجب اقتحم البوليس الحربي مقر جريدة "الشعب" وتم اعتقاله رفقة شقيقه عبد الرحمن الرافعي، وعبد الله طلعت مدير تحرير الجريدة، وعندما خرج أمين من السجن طلب منه السلطان حسين كامل إعادة إصدار الجريدة وعرض عليه مبلغ 5000 جنيه، فرفض الرافعي هدية السلطان وإعادة الإصدار.
في 1920 ابتاع الرافعي جريدة الأخبار فصارت منبره اليومي، وجاء تصريح 28 فبراير 1922، ليشن أمين حملته الشديدة عليه ووصفه بأنها ضمانات تهدم الاستقلال وتعطي إنجلترا سلطة مطلقة للحيلولة الصريحة بين مصر وبين التمتع بحقها في الاستقلال، بل هو قضاء فعلي على مبدأ السيادة التي تتظاهر إنجلترا بالاعتراف بها لمصر.
وفي عام 1922 تشكلت لجنة الثلاثين لوضع الدستور، بمرسوم من رئيس الوزراء آنذاك عبد الخالق باشا ثروت، وعين لها حسين باشا رشدي رئيسا، فاتخذ الرافعي من "الأخبار" منبراً في الدفاع عن حق مصر أن يكون لها دستوراً تضعه بواسطة هيئة تأسيسية.
وفي نهاية عام 1924، أصدر الملك فؤاد مرسوما بحل مجلس النواب بعد حادث مقتل السردار سيرلي ستاك، فأطلق الرافعي مقالاته النارية اعتراضا على القرار، وطالب النواب بالاجتماع بدون دعوة الملك، وبالفعل عقد البرلمان جلسته التاريخية بفندق "الكونتنتال" 21 نوفمبر 1925.
دافع الرافعي عن حق الأمة دفاعا مجيدا، حتى كسبت عودة الحياة النيابية بقوة إرادتها واستماعها إلى دعوته، فكتب يقول بهذه المناسبة: "لقد انعقد البرلمان في الكونتنتال بين سمع الحكومة وبصرها فكان لهذا العمل أثران في نفسي: الأول سروري بإنقاذ الدستور والثاني ارتياح ضميري ارتياحا يشعر به كل من وفقه الله إلى دعوة صالحة كتب لها التحقيق بنجاح".
لأمين الرافعي عدة مؤلفات منها "مفاوضات الإنجليز بشأن المسألة المصرية، ومذكرات سائح"، وتم منحه بعد أكثر من نصف قرن علي رحيله "قلادة الجمهورية" من الرئيس الراحل أنور السادات إبان الاحتفال بالعيد الأربعين لنقابة الصحفيين في مارس عام 1981.
الرافعي كان له عظيم الفضل على مهنة الصحافة، وظل لقلمه قوة في التأثير على عقول الناس، ومدفعا شرسا في وجه الاحتلال، حتى غيبه الموت في 18 ديسمبر عام 1927 عن عمر ناهز 41 عاماً، وتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في جنازة شعبية شارك فيها أدباء وكتاب ومفكرين وسياسيين.
وكتب شاعر النيل حافظ إبراهيم يقول في رثائه: "هذا الرجل الذي بذل دمه قطرات قطرات في سبيل مصر لم يأخذ من المناصب والجاه والمراتب والمال قليلا ولا كثيرا، بل خرج من دنياه عريانا".