«صبرى» يصنع الفئوس والسيوف والمناجل ويتقاضى أجره محصولاً: «النار كبَّرتنى قبل أوانى»
كل ما يحتاجه كمية من الفحم ومضختا هواء مصنوعتان من الجلد، وسندان يضع عليه الحديد المنصهر، ومطارق متنوعة الحجم، وهى أدوات بسيطة يستخدمها فى تليين الحديد. صبرى رمضان الحلبى، استطاع أن يتغلب على ظروفه الصحية التى يمر بها ليجنى لقمة عيشه من عرق جبينه، ويحمى مهنة أجداده. ليس هيناً أن يتعامل أى إنسان مع النيران الناتجة عن الفحم «الكوك»، للارتفاع الشديد فى درجة حرارته، ومع ذلك اعتاد «صبرى» العمل فى هذه الأجواء فمهنة الحدادة التى ورثها أباً عن جد لا يعرف غيرها. كانت «الحدادة» مهنة حيوية على مر العصور، وحتى ثلاثة قرون مضت، حيث يسهم أصحابها فى صناعة أسلحة متنوعة من سيوف ورماح ودروع للجيوش، وأدوات تساعد فى الزراعة، لا تجدها إلا فى القرى الزراعية فى صعيد مصر، لاقتصارها على خدمة الفلاحين، ولكن بعد تطور الصناعة تراجعت مهنة الحدادة التى تعتمد بالأساس على العمل اليدوى الشاق.
«صبرى الحداد» كما يطلق عليه أهالى قرية «العطيات» بدشنا فى محافظة قنا، أصيب بعدة أمراض منها الحساسية أثناء تعلمه المهنة من والده، ورغم ذلك فهو يستمر فى عمله حتى الآن، رغم ضعف صحته وانقراض مهنته: «أنا نفسى أحافظ على مهنة أجدادى، ده غير إنى ماعرفش غيرها ومن فلوسها القليلة بصرف على أسرتى، عندى 4 إخوات بنات مالهمش غيرى بعد ما أبويا مات».
سيوف تقطيع القصب، فئوس، مناجل حلباوية، تستخدم فى حصاد القصب، ومداور المرابط الحديدية لربط المواشى، وتد حديدى، بعض أدوات الحداد المسلح، هى بعض الصناعات التى ينتجها «صبرى الحداد» ولا يحصل على مقابل لصناعتها، بل على محصول ينتظره من الفلاحين يمنحونه إياه فى آخر العام. يشكو الشاب العشرينى من ارتفاع أسعار «فحم الكوك» الذى يصهر الحديد، موضحاً أن سعر الكيلو الواحد قبل ثورة يناير كان لا يتعدى نصف جنيه، والآن أصبح «جنيهين»، ويقطع مسافة 70 كيلومتراً للحصول عليه: «لولا مهنتى كان المزارع يعيش فى حيرة، نفسى بقى الحكومة تعملى تأمين صحى عشان أعالج نفسى من المرض.. أنا ماقلش أهمية عن أى صانع فى مصر».