البالوعات.. مصائد الأرواح
بالوعات الصرف الصحي
يمكن وصفها فى كلمتين بأنها «مصيدة الموت».. جريمة تبدو بسيطة إذا ما اكتفيت بكتابة خبر عن سرقة غطاء بالوعة، لكن الأمر سيبدو أكثر تعقيداً وسوءاً، إذا أرفقت بالخبر أن روحاً بريئة أُزهقت نتيجة هذه السرقة. ظاهرة مؤسفة تفشَّت فى كل مناطق الجمهورية، فلم تعد مقتصرة على العشوائيات، بل طالت المناطق الراقية أيضاً، كما بلغت خسائر المال العام نحو 25 مليون جنيه سنوياً، بحسب ما أكده مسئولون. يتراوح سعر الغطاء الواحد بين 5 و6 آلاف جنيه لأنه مصنوع من الزهر، وهو ما يثير أطماع اللصوص الذين يبيعونه إلى ورش الحديد «تحت بير السلم»، فتتم إذابته، وتصنيعه من جديد، وتشير الإحصائيات إلى سرقة نحو 5 آلاف غطاء سنوياً، بمعدل 15 غطاء فى اليوم الواحد، ما دفع المسئولين إلى دراسة توفير أغطية بديلة رخيصة الثمن من الأسمنت، فضلاً عن التصدى للظاهرة بوسائل أخرى، منها إطلاق حملات توعية فى الأحياء لسرعة الإبلاغ عن البالوعات دون غطاء، ووضع كاميرات مراقبة لكشف السرقات، وغيرها.
حملات توعية وكاميرات مراقبة لكشف سرقات الأغطية
«الوطن» حاولت إبراز هذه الظاهرة المؤسفة حفاظاً على أرواح الأبرياء، وتحديد أوجه الخلل، ومحاسبة المقصر.
ضحايا "كمائن الصرف": أطفال وشيوخ يرحلون دون ذنب
قاتل صامت نراه فى الشوارع بشكل يومى، أشبه بالحيوانات المفترسة التى تنصب أفخاخاً هادئة لضحاياها، حيث تقبع بالوعات الصرف الصحى فى شوارعنا لتلتهم أطفالاً وكباراً على حد سواء.
ساهمت ظاهرة انتشار جرائم سرقات أغطية بالوعات «المجارى»، وبيعها لتجار الخردة، فى تزايد أعداد الضحايا، وهى جرائم تُخلف أحداثاً مؤسفة، فتحرم أسر من أبنائها دون أى ذنب سوى الجشع والإهمال بعدم التعامل الفورى مع تلك السرقات حال حدوثها، وتغطية البالوعات المسروقة بأغطية أخرى، قبل حدوث الكارثة.
"ياسين" سقط فى بالوعة مفتوحة بعد عودته من النادى مع والدته
اصطحبت «أم ياسين» طفلها الذى لا يتجاوز العام الخامس من عمره، لأحد النوادى بمنطقة الطالبية فى الهرم، وعند عودتهما إلى المنزل، ابتلعت إحدى البالوعات من دون غطاء الطفل، فى غفلة من والدته، التى ظنت أنه ضل أو اختُطف، قبل أن يشير إليها الأهالى فى حالة فزع، بأن نجلها قد سقط فى البالوعة. قضت الأسرة والأهالى ساعات طويلة فى محاولة انتشال الطفل، وبعد أن فقدوا الأمل فى إنقاذه حياً، ظل أملهم الوحيد فى العثور على جثته، وبالفعل تمكنوا من تحديد مكان جثته فى بالوعة أخرى خلف محطة الصرف الواقعة خلف النادى، حيث جرفته مياه الصرف لمسافة قصيرة.
بعض الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، ومواقع الإنترنت، تشير لاستخدام عدد من «عصابات البالوعات»، تروسيكلات تقل 3 أو 4 أشخاص يتولون مهمة سرقة أغطية البالوعات، وبعض السرقات يحدث فى وضح النهار، حيث يقومون بخلع الغطاء ورفعه وتحميله على التروسيكل، ويفرون هاربين، لتبدأ رحلة الأهالى بعدها فى تقديم مطالبات وبلاغات للجهات المسئولة لتغطية البالوعة، تفادياً لمصير مشابه لوقائع الموت المتكررة. هناك نماذج عديدة لحوادث سقوط الأهالى فى بالوعات الصرف الصحى، ومنها ما شهدته محافظة الشرقية عندما وقفت أم فى صفوف الأهالى تنتظر لحظة استخراج ابنتها «آية» من داخل بيارة رى بقرية القضاة فى مدينة كفر صقر، أملاً فى إخراجها وهى ما زالت على قيد الحياة، إلا أن القدر كان له رأى آخر، فخرجت «آية» جثة هامدة بعد أن فشلت كل محاولات إنقاذها، حيث تلقى اللواء محمد والى، مدير المباحث الجنائية بالشرقية، إخطاراً من الرائد أحمد سامى، رئيس مباحث كفر صقر، يفيد بسقوط طفلة فى بيارة رى.
الأهالى يعثرون على جثته بعد أن جرفته مياه الصرف ساعات طويلة
وأفادت التحريات الأولية للمباحث، أنه أثناء أصحاب الأم لطفلتها «أية صلاح محمد» 11 سنة، بقرية الأشقم مركز فاقوس، لشراء بعض المتطلبات من قرية القضاة، تركت الطفلة يد والدتها لتناول الماء من «كولدير»، وخلال عودتها، سقطت فى بيارة رى يستخدمها المزارعون لرى محاصيلهم الزراعية، مع العلم أن البيارة ظلت مكشوفة لفترة طويلة دون تغطيتها أو إصلاحها، وقد تمكن الأهالى من إخراج جثة الطفلة التى ظلت مدة تزيد على 4 ساعات داخل البيارة، وصرحت نيابة كفر صقر بالدفن، لعدم وجود شبهة جنائية.
وفى مدينة العاشر من رمضان، لقى طفل عمره 4 سنوات، مصرعه بمجاورة الحى الثانى عشر، بعد أن سقط داخل بيارة صرف صحى مكشوفة، أثناء وجوده مع والدته لشراء بعض المتطلبات من «سوبر ماركت»، فسقط من يدها داخل البيارة، وحاولت الأم إنقاذه، واستغاثت بالمارة إلا أنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة. الطفل محمد صلاح الذى سقط ببلاعة صرف صحى مفتوحة داخل إحدى المدارس الخاصة بأسيوط، أيضاً كان حديث الرأى العام، والطفلة جاسى جريس، التى لقيت مصرعها إثر سقوطها فى بالوعة صرف صحى مفتوحة بمركز الغنايم، وهناك أيضاً الطفلان ساندى محمد عبده، 4 سنوات، وعبدالرحمن محمد فوزى، 6 سنوات، بمحافظة السويس، وقد أثارا موجة من الغضب بالمحافظة بعد غرقهما فى بالوعة صرف صحى مكشوفة بمنطقة مساكن 24 أكتوبر بالسويس، واستمعت النيابة العامة لأقوال أهالى الطفلين وسكان منطقة 24 أكتوبر، حيث أكدوا أن مسئولى الشركة القابضة لمياه الصرف الصحى تركوا بلاعة الصرف مفتوحة دون غطاء، فيما كشف تقرير مفتش الصحة بالسويس، الذى ضمته النيابة العامة للقضية، أن الطفلين ظلا ما يقرب من ساعتين داخل البالوعة، وقال السكان إن البلاعة لم تتعرض للسرقة، بل تركها المسئولون عن الصرف الصحى بلا غطاء بعد الانتهاء من أعمال الصيانة.